تطور العلاقات الهندية - الباكستانية (3-3)
فى 28 يونيو سنة 1972، اجتمع ذو الفقار على بوتو،
الذى تولى رئاسة الوزراء فى باكستان بعد الإطاحة بحكم يحيى خان، مع أنديرا غاندى فى
مدينة سيملا الهندية التى تقع عند سفح جبال الهمالايا (التى تقرر فيها تقسيم الهند
سنة 1945) وفى 3 يوليو توصل الجانبان إلى ـ اتفاق سيملا الذى أصبح نقطة تحول جوهرية
فى علاقات الهند مع باكستان وقد نص الإعلان على: استعادة باكستان لكل الأقاليم التى
فقدتها فى حرب ديسمبر سنة 1971 باستثناء المناطق الواقعة على خط وقف إطلاق النار فى
كشمير (مساحتها 8620 كم2)، وانسحاب القوات الهندية إلى مواقعها قبل الحرب فى السند
وكوتشى والبنجاب لتستعيد باكستان أراضى تبلغ مساحتها 8220 كم2، وتستمر الهند فى احتلال
المساحة الباقية التى تقع فى كشمير كذلك نص إعلان سيملا على أن تعيد باكستان إلى الهند
الأراضى التى احتلتها فى قطاع البنجاب وصحراء راجستان ومساحتها 600 كم2 مع استئناف
المعاملات الاتصالية والاقتصادية بين الدولتين بيد أن أهم ما نص عليه الإعلان هو اتفاق
الدولتين على حل المنازعات بينهما بما فيها مشكلة كشمير بشكل ثنائى وتأتى أهمية هذا
النص من أن الهند استعملته فيما بعد للادعاء بأن إعلان سيملا قد ألغى قرارات مجلس الأمن
الخاصة بكشمير، حيث إن نزاع كشمير لا يحل إلا بشكل ثنائى، وهو الأمر الذى ترفضه باكستان
مؤكدة أن قرارات مجلس الأمن لا تلغى إلا بقرارات جديدة من المجلس ذاته ومازالت باكستان
تصر على التطبيق الكامل لقرارات مجلس الأمن الصادرة عامى 1948 و1950 بشأن كشمير.
وبعد إعلان سيملا، بادرت
الهند وباكستان بتطبيق مجموعة من الإجراءات التى اصطلح على تسميتها بإجراءات بناء الثقة
بهدف تجنب نشوب حرب جديدة بينهما ومن أهم تلك الإجراءات إنشاء لجنة باكستانية هندية
مشتركة سنة 1982 لتسهيل الاتصال بين الدولتين على المستوى الوزارى وما دون هذا المستوى،
والإعلان المشترك حول تحريم استعمال الأسلحة الكيميائية سنة 1992، والاتفاق على الإخطار
المسبق بالمناورات العسكرية سنة 1992، والاتفاق سنة 1985 على عدم مهاجمة المنشآت النووية
للدولتين.
بيد أن هذه الإجراءات
وإن نجحت فى منع نشوب حرب رابعة بين الدولتين فإنها لم تؤد إلى حل المشكلات المطروحة
بينهما بل إنه فى ظل تلك الإجراءات تحولت الهند وباكستان إلى قوتين نوويتين.
وقد تجددت مشكلة كشمير
اعتبارا من سنة 1989، أى مع انسحاب السوفييت من أفغانستان، ونهاية الحرب الباردة ومنذ
ذلك الحين سقط نحو 100 ألف قتيل فى الصراع المسلح حول كشمير بين القوات الهندية، والحركات
المقاتلة فى كشمير وخارجها والمدعومة من باكستان وقد ازدادت حدة الصراع حول كشمير مع
اندلاع السباق النووى الهندى الباكستانى فى مايو سنة 1998، حيث ربطت الدولتان السباق
بما يحدث فى كشمير ففى 11 و13 مايو سنة 1998، قامت الهند بإجراء خمسة تفجيرات نووية
دشنت بموجبها وضعها كقوة نووية، وقد أعقب تلك التفجيرات إدلاء المسئولين الهنود من
حكومة حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسى بزعامة فاجباى بتصريحات تهدد باكستان بضرورة الاعتراف
بالواقع الجديد فى الهند وعدم إثارة مشكلة كشمير مرة أخرى، مما اضطر نواز شريف رئيس
وزراء باكستان إلى إجراء ستة تفجيرات نووية يوم 28 مايو رغم الضغوط الدولية عليه: ذلك
أن الرأى العام الباكستانى مارس ضغوطا هائلة على حكومة شريف للرد على التفجيرات النووية
الهندية، كما أن إعلان القوة النووية الباكستانية يشكل استعادة للتوازن الاستراتيجي
بين الدولتين، كذلك دخلت الدولتان فى سباق لإنتاج الصواريخ طويلة المدى من طرازات بريتفى،
وغورى وحتف، وهى صواريخ قادرة على حمل رؤوس نووية لمسافات تصل إلى 5000 كيلومتر ومن
المؤكد أن هذا التطور قد حقق قدرا من التوازن الاستراتيجي بين الهند وباكستان، ولكنه
أدى إلى فرض عقوبات دولية على الدولتين أضرت بباكستان أكثر مما أضرت بالهند.
وعقب التفجيرات الهندية،
صرح أدفانى، وزير الداخلية الهندى، بأن باكستان يجب أن تأخذ فى اعتبارها أن التفجيرات
النووية الهندية قد غيرت الموقف الاستراتيجي بشكل حقيقى فى كشمير وبعد ذلك، هدد باتخاذ
إجراءات ضد الاستفزازات الباكستانية فى كشمير بينما صرح جوهر أيوب خان، وزير خارجية
باكستان، بأن كشمير ستظل جرحا مفتوحا يمكن أن يؤدى إلى حرب نووية فى شبه القارة الهندية،
وأضاف أن الموقف فى إقليم كشمير أخطر من الموقف أثناء الحرب الباردة وفى فبراير سنة
1999، زار فاجباى رئيس وزراء الهند باكستان وأصدر مع نواز شريف رئيس وزراء باكستان
إعلان لاهور الذى أكد على أهمية التسوية السلمية للمشكلات المعلقة بين الدولتين. وفى
مايو سنة 1999، حدثت مواجهة كبرى بين القوات الهندية والقوات الكشميرية المتمركزة فى
مرتفعات كارجيل التى تقع على الجانب الهندى من خط السيطرة وقد أكدت الهند أن القوات
المتمركزة فى كارجيل أتت من باكستان وهى مدعومة منها، وهو ما نفته باكستان ولكن أكدته
المخابرات الغربية وقد التقى الرئيس الأمريكى كلينتون مع نواز شريف رئيس وزراء باكستان
آنذاك فى 4 يوليو سنة 1999، واتفقا على احترام خط السيطرة طبقا لاتفاقية سيملا سنة
1972، واستئناف الحوار بين الهند وباكستان الذى بدأ فى مؤتمر قمة لاهور سنة 1999 بين
رئيسى وزراء الهند وباكستان، والذى أسفر عن إعلان لاهور وعقب ذلك، انسحبت القوات التى
دخلت كشمير.
وعقب ذلك، تطورت الأوضاع
فى كشمير فى اتجاهين هما:ـ تصعيد أعمال العنف من داخل كشمير، ومطالبة حكومة كشمير بالحكم
الذاتى ففى 15 مايو سنة 2000، أعلنت جماعة حزب المجاهدين مسئوليتها عن اغتيال غلام
حسن بات، وزير الدولة لشئون الطاقة فى حكومة كشمير، وأربعة آخرين، وكانت تلك المرة
الأولى التى يتم فيها اغتيال وزير كشميرى، حيث إنه منذ سنة 1989 قتل 20 وزيرا وأعضاء
برلمان سابقون وفى 24 ديسمبر سنة 1999، قامت إحدى الجماعات الكشميرية بخطف طائرة تابعة
للخطوط الجوية الهندية، وقد تم اختطاف الطائرة إلى باكستان وأثناء الأزمة، امتدحت الهند
الموقف المحايد والمساعد الذى اتبعته باكستان لإنهاء الأزمة، ولكن بعد انتهاء الأزمة
باستجابة الهند لشروط الخاطفين فى 31 ديسمبر، ألقت الهند بالمسئولية على باكستان من
ناحيتها، سعت الهند إلى الدخول فى حوار مع الجماعات الكشميرية المقاتلة وأهمها تحالف
الحرية لكل الأحزاب (الذى يضم 23 تنظيما كشميريا) وحزب المجاهدين ففى يوليو، أعلن حزب
المجاهدين والقادة العسكريون الهنود فى كشمير وقفا لإطلاق النار 3 أشهر، بدأه الحزب
فى 24 يوليو ثم تلاه القادة الهنود فى 28 يوليو وكان الحزب قد أعلن أن وقف إطلاق النار
هو من طرف واحد تمهيدا للدخول فى مفاوضات مع الحكومة الهندية، كما أنه يمتد لمدة 3
أشهر فقط، وطالب الحزب بأن تنضم باكستان إلى المفاوضات وحزب المجاهدين هو الجناح العسكرى
للجماعة الإسلامية فى باكستان بزعامة حسن منور ويضم حوالى 2000 مقاتل بزعامة سيد صلاح
الدين وقد اعترضت باقى الجماعات الكشميرية المقاتلة على وقف إطلاق النار وعلى أى حال،
لم يستمر وقف إطلاق النار طويلا، إذ سرعان ما سقطت الهدنة وتجدد القتال بعد أن رفضت
الهند مشاركة باكستان فى المحادثات.
أما التطور الثانى فى
كشمير، فكان هو مطالبة حكومة كشمير بزعامة فاروق عبد الله حكومة الهند فى 26 يونيو
بالاعتراف بالحكم الذاتى الكامل لكشمير، بحيث تقتصر سلطات الحكومة المركزية على الدفاع
والسياسة الخارجية والمواصلات، وذلك على غرار ما كانت عليه الأوضاع فى كشمير قبل سنة
1953 وقد قدم فاروق عبد الله تلك المبادرة بعد أن تبين له اتجاه حكومة الهند إلى التفاوض
مع زعماء الحركات الكشميرية الانفصالية، متخطية بذلك حكومة كشمير وقد أدى إعلان فاروق
عبد الله لهذا المطلب إلى انتقادات عنيفة له من الأحزاب الهندوسية فى كشمير وخارجها
وأعلن الناطق الرسمى باسم حزب بهاراتيا جاناتا رفض الفكرة، بل وطالب بإلغاء المادة
370 من الدستور الهندى التى تمنح لولاية جامو وكشمير وضعا خاصا على أى حال، فقد رفضت
حكومة فاجباى هذا الطلب وفى الانتخابات التشريعية التى أجريت فى كشمير فى أكتوبر سنة
2002 فقد فاروق عبد الله مقعده فى برلمان كشمير، بل وفقد حزبه ذاته أغلبيته فى البرلمان.
من ناحية أخرى، أعلنت
حكومة مشرف فى 21 أكتوبر سنة 1999 قرارها بسحب القوات الباكستانية من منطقة الحدود
الدولية مع الهند كبادرة حسن نية تجاه الهند، كذلك عرضت على الهند فى فبراير سنة
2000 الدخول فى حوار حول كشمير ولكن الهند قدمت ثلاثة شروط هى:ـ التزام باكستان باحترام
خط السيطرة، وعدم طلب وسطاء دوليين لحل النزاع، والتوقف عن مساعدة الحركات الكشميرية
أو القيام بالدعاية المضادة للهند وفيما بعد، قدمت الهند شرطا رابعا هو أن توافق باكستان
على مناقشة القضايا الثمانى الأساسية المتفق عليها فى مؤتمر قمة لاهور فى آن واحد من
ناحيتها، أعلنت باكستان على لسان وزير خارجيتها عبد الستار عزيز أنها ملتزمة بإعلان
واشنطن الصادر عقب أحداث كارجيل بعد اجتماع القمة بين الرئيس كلينتون ورئيس الوزراء
نواز شريف، وطالبت بالعودة إلى صيغة إعلان لاهور كذلك، أعلنت سحب قواتها المرابضة على
خط السيطرة ومن الواضح أن باكستان أرادت بذلك تقديم ما يوازى المبادرات الدبلوماسية
الهندية (وقف إطلاق النار) حتى تفوت على الهند سعيها للظهور باعتبارها قوة السلام الوحيدة
فى جنوبى آسيا.
اتخذت مشكلة كشمير بعد
أحداث11سبتمبر منحى جديدا فقد سعت الهند إلى توظيف الحملة الأمريكية ضد الإرهاب ـ لتصفية
مشكلة كشمير من خلال وضع منظمات المقاومة الكشميرية على لائحة المنظمات الإرهابية التى
تسعى الولايات المتحدة إلى تصفيتها وقد تعاطفت الولايات المتحدة مع هذا المسعى، حين
أعلن سفيرها فى دلهى فى 24 نوفمبر سنة 2001 أن الولايات المتحدة ستسعى إلى تصفية المنظمات
الكشميرية بعد الانتهاء من حملها الأفغانية ومن ثم، فقد اتفقت الهند والولايات المتحدة
على الهدف، ولكنهما اختلفتا حول توقيت تنفيذه فبينما رأت الولايات المتحدة تأجيل الملف
الكشميرى إلى ما بعد انتهاء حربها فى أفغانستان (حتى لا يفسد فتح هذا الملف علاقاتها
مع باكستان) فإن الهند رأت أنه من المهم فتح الملف على الفور، لأن الولايات المتحدة
لم تقدم ضمانا بالعمل المشترك مع الهند ضد المنظمات الكشميرية، ولهذا استغلت الهند
حادث الهجوم على البرلمان الهندى فى 13 ديسمبر سنة 2001 واتهمت منظمات المقاومة الكشميرية
بتدبير الهجوم واتهمت باكستان بمساندة وإيواء الهاجمين وقامت الهند بحشد قواتها على
خط السيطرة فى كشمير وعلى طول حدودها مع باكستان، مما أدى بالأخيرة إلى تعبئة مماثلة،
مما أدى بالتالى إلى أكبر حشد عسكرى على خطوط التماس الهندية الباكستانية منذ إنشاء
الدولتين وتحت ضغط غربى، قام الرئيس الباكستانى بالضغط على المنظمات المتمركزة فى باكستان
لوقف عملياتها فى كشمير التابعة للهند، وتم إلقاء القبض على كثير من عناصر تلك المنظمات.
بيد أن الهند اعتبرت
أن ذلك كله غير كاف، ورفضت الدخول فى محادثات مع باكستان للحوار حول كشمير إلا بعد
وقف كل عمليات التسلل عبر خط السيطرة وبدوره، أعلن الرئيس الباكستانى التزام بلاده
بالدعم المعنوى والسياسى للمقاتلين الكشميريين.
مع تدهور الأوضاع فى
أفغانستان والعراق بعد الغزو الأمريكى للدولتين، ضغطت الولايات المتحدة على الهند وباكستان
للتهدئة والتعاون معها للسيطرة على الوضع الأفغانى، وساعدها على ذلك وصول حزب المؤتمر
بزعامة سونيا غاندى إلى السلطة وتولى مانموهان سنج رئاسة الوزارة الهندية وتركز الولايات
المتحدة حاليا على بناء تفاهم استراتيجى واسع مع الهند كجزء من سعيها لتحضير المسرح
الاستراتيجى الآسيوى لمواجهتها القادمة مع الصين، وتعمل باكستان حاليا على منع إقامة
هذا التفاهم من خلال التعاون الوثيق مع الولايات المتحدة فى المسرح الأفغانى.
------------------------------------------------------------------
------------------------------------------------------------------
بقلم: د.
محمد السيد سليم - المصدر: السياسة الدولية - الأهرام - مصر
0 التعليقات:
إرسال تعليق