في باكستان، أصبحت المدارس أماكن للإرهاب المروع بدلا من أن تكون معابد للعلم
.. هكذا استهل موقع (هافنجتون بوست) الأمريكي مقاله للرأي تحت عنوان باكستان: عندما
يخشي الأطفال من التعليم.
ويوضح المقال أن باكستان باتت أحد الأماكن التي يخاطر فيها الأطفال بحياتهم
بذهابهم للمدارس، والهجوم الأخير في بيشاور، والذي خلف أكثر من 141 قتيلا، أظهر ذلك
المفهوم وأبرز العنف الذي يواجه الشباب في باكستان بشكل صارخ.
إن وضع التعليم في باكستان كان ولا
يزال غير واضح العالم، غير أن الهجوم الأخير في بيشاور ربما يجعل النظام التعليمي غير
قابل للإصلاح، ويمكن القول إن التطرف والعنف يساعدان على تدمير نظام منهار فعليا.
لقد كان تحسين النظام التعليمي في باكستان
أحد أهم وأكبر تحديات الإصلاح، فباكستان دولة يبلغ عدد سكانها 200 مليون نسمة، بينهم
52 مليون من الشباب مكفول لهم حق التعليم المجاني، لكن لسوء الحظ نصف هؤلاء (27 مليون
شخص) لا يذهبون للمدارس.
وما يفاقم أزمة ذهاب هؤلاء الأطفال
للمدارس هو الحالة المزرية للبنية التحتية للنظام المدرسي، فنسبة كبيرة من مدارس باكستان
تفتقد للمرافق مع وجود مشاكل مثل مياه الشرب وعدم وجود جدران فاصلة بين الفصول المدرسية
وأكثر من نصف المدارس الحكومية ليست بها كهرباء و 42 % منها ليست بها مراحيض.
إن سوء المرافق ووجود عدد كبير من المعلمين
غير المؤهلين يكمل الصورة المشوهة لنظام التعليم وتنعكس النتائج دائما على أداء الطلاب،
ووفقا لما كشف عنه التقرير السنوي لحالة التعليم في باكستان فإن الطلاب يحققون نتائج
دون المأمول منهم.
ويُمكن أن تُعزى تلك المشاكل لمرور
باكستان بمراحل سياسية مختلفة، ففي ثمانينيات القرن الماضي، أصلح الجنرال محمد ضياء
الحق المناهج الدراسية بغرض "أسلمتها".. أما بناظير بوتو ونواز شريف فقد
سمحا لكوادر المعلمين غير الأكفاء وغير المدربين بدخول القطاع التعليمي، واستمرت تلك
الممارسات البالية في عهد برويز مشرف.
بطبيعة الحال، لا يمكن إلقاء اللوم
على طرف واحد في ذلك الإرث الفاسد، وهجوم بيشاور ليس حادثا منفصلا، فمرتكبي تلك المجزرة
"حركة طالبان باكستان" يزعمون أن الهجمات شُنت انتقاما لمقتل مدنيين في عملية
"ضربة السيف"، التي يشنها الجيش ضد التمرد المسلح، وعلى الرغم من ذلك، فمن
الواضح أن تلك الوحشية هي جزء من حرب التنظيم الكبرى ضد التعليم.
لقد أصدر التحالف العالمي لحماية التعليم
من الاعتداء (ومقره نيويورك) تقريره خلال العام الحالي ورصد خلاله تفصيلا الهجمات العديدة
التي شنها المتطرفون على المدارس في باكستان، فقد تم الهجوم على 838 مدرسة على الأقل
ودُمِر المئات، ووفقا للتقرير، فإن طالبان بدأت حربا "تنذر بالخطر" على النظام
التعليمي الذي يشعرون أنه يشجع على الانحطاط الغربي والتعاليم غير الإسلامية، وأصبح
أطفال المدارس مقاتلين من وجهة نظرهم بل وأصبحت المدارس بالنسبة لهم أهدافا.
وبينما تمت أولى الهجمات التي شنتها
الحركة على المدارس في جنح الظلام، فإن الحوادث الأخيرة أصبحت أكثر وقاحة وتتم في وضح
النهار، ففي سبتمبر عام 2011، هاجم مقاتلو طالبان حافلة مدرسية، وقتلوا 4 أطفال وسائق
الحافلة وأصابوا 12 آخرين، وخلص التقرير أيضا إلى أن 30 طفلا على الأقل قُتِلوا في
الفترة ما بين عامي 2009 و 2012 لارتكابهم "جريمة الذهاب للمدرسة".
الفتيات أيضا يواجهن أكثر التهديدات
خطورة، والمثال الأبرز هو الباكستانية الفائزة بجائزة نوبل للسلام العام الحالي مالالا
يوسف زاي، والتي أصبحت محط اهتمام المجتمع الدولي بعد أن أطلقت عليها جماعة طالبان
باكستان النار بحجة أنها تروج للقيم العلمانية والمناهضة لطالبان، عن طريق الحشد من
أجل تعليم الفتيات على مدونتها الخاصة.. عندما استولت طالبان على وادي سوات عام
2009، تم حظر مدارس الفتيات كاملا وأُجبِرت 120 ألف فتاة على عدم الذهاب للمدارس.
إن "الحرب على التعليم" التي
تشنها حركة طالبان أعاقت مستقبل باكستان وأكدت أن الإمكانات البشرية الهائلة ستذهب
سدى، وينبغي أن تكون هناك محاولة تتضافر فيها الجهود بين الشعب والحكومة لإصلاح ودعم
نظام التعليم، وتحتاج الحكومة لتطوير شراكات جديدة مع منظمات المجتمع المدني والقطاع
الخاص لتوفير التعليم الابتدائي، والشيء الأكثر أهمية هو الحاجة لجهد جذري لنشر الوعي
بين السكان في المناطق الريفية حول أهمية التعليم وبشكل خاص تعليم الفتيات.
نقلا عن (مصر العربية)
0 التعليقات:
إرسال تعليق