إيران تستعد لدخول أفغانستان
السيناريو العراقي يتكرر
في أفغانستان؛ الرئيس الأميركي يعلن موعد انسحاب القوات العسكرية لحلف الناتو، وتبدأ
نقاشات محمومة داخل الكونغرس والبيت الأبيض عن فرص بقاء بعض القوات للتدريب وحماية
المؤسسات.
آخر يوم من عام
2014 هو الموعد النهائي لانسحاب القوات الأميركية من أفغانستان تاركة وراءها بلدا هشا
أمنيا واقتصاديا وسياسيا، أردى حالا من العراق الذي نراه اليوم في أسوأ حالاته منذ
سقوط نظام صدام حسين بعد عام واحد من انسحاب الجيش الأميركي.
في أفغانستان، تنسحب
القوات الأميركية التي تمثل الجزء الأكبر من القوات الدولية (66 ألف جندي من مجموع
100 ألف) بعد 11 عاما من الحرب على الإرهاب مع فاتورة بتريليون دولار، ودولة مهددة
من أربع جهات: باكستان، وطالبان، والفساد الإداري والمالي، وأخيرا إيران.
باكستان التي تنفي في
كل مناسبة ارتباطها بطالبان أو إيواء عناصر منها أو دعمها، تراها كابول لا تعين على
استقرار الدولة التي عانت طويلا من الوجود الأجنبي منذ عشرات العقود.
أما طالبان فقد تكون
أهون الأشرار، لأنها اليوم تختلف عما كانت عليه وقت نشأتها في منتصف التسعينات وأكثر
قابلية للتفاوض، لذلك يرتعد الرئيس الأفغاني خوفا من أن يلجأ الأميركيون والأوروبيون
إلى عقد اتفاق مع طالبان بعيدا عنه مما يحجم دوره السياسي. هذا يعني أن الحركة لديها
الاستعداد الذي لم يكن لديها سابقا لأن تكون شريكا في مستقبل الدولة السياسي.
ثم يأتي الفساد المستشري
في الجيش والشرطة والمؤسسات الحكومية الأفغانية، والذي هو إحدى أهم نتائج الوجود الأجنبي
الذي أضعف الحكومة المركزية وقوض التلاحم الوطني وأوهن القيم المجتمعية وصنع تحديات
ليس من بينها بناء دولة قانون. وبسبب الفساد، نجد الحكومة الأفغانية اليوم تتآكل، بفعل
انتشاره وعجزها عن التصدي له والحفاظ على حقوق الإنسان خاصة ما يرتبط بالمعتقلين والحريات
وحقوق المرأة في التعليم والعمل والانتخابات ونبذ العنف ضدها.
يبقى التهديد الأهم
وهو إيران، الخطر الذي لا يريد أن يراه الأميركيون أو الأوروبيون، ولا يأتون على ذكره
خلال جدالهم في جلسات الاستماع في المؤسسات الرئاسية والبرلمانية.
العنصر المشترك والخطير
في البلدين؛ العراق وأفغانستان، أنهما من الناحية الجغرافية جناحان لدولة مثل إيران،
لم تستيقظ من حلم هيمنتها على هذا الجزء من العالم. فعلى رأس حكومة بغداد اليوم رجل
لا يخفي تبعيته لطهران قولا وعملا، مستندا إلى قوة الحضور الإيراني كطرف مشاغب عجزت
عنه الولايات المتحدة في لبنان وسوريا واليمن، فمنذ الغزو الأميركي للعراق فرضت إيران
وجودها بالقوة أو بالابتزاز، فانتشرت ميليشياتها في الجنوب العراقي، وزرعت محسوبين
عليها من العراقيين في مؤسسات الجيش والأجهزة الأمنية والدفاع، حتى بات انتزاعهم أشبه
بقض البنيان.
إيران مكنت لتنظيم القاعدة
في العراق كما مكنت لميليشياتها، وهناك تقارير مؤكدة منذ سنوات على دعم لوجيستي ومالي
من إيران لقيادات من التنظيم كانت تسهل دخولهم للعراق من إيران وسوريا، وهي اليوم تفاخر
بأنها العامل الرئيسي الذي اضطر الأميركان للانسحاب المذل من العراق. لكن ما لا تعترف
به إيران أن هزيمة تنظيم القاعدة في العراق كانت بفعل شجاعة العشائر السنية في الأنبار،
التي توحدت ضد التنظيم في عمل كان الهدف منه تحقيق انتصار أمني وليس سياسيا، وهؤلاء
هم من يقودون اليوم حركة المعارضة المتنامية ضد حكومة المالكي والوجود الإيراني في
العراق.
من سوء الحظ أنه في
أفغانستان لا توجد عشائر سنية صلبة كما في العراق، بل شعب ضعيف منهك فقير تنتشر فيه
الأمية، وميليشيات شيعية وسنية مرتزقة، ولأن واشنطن ضربت موعدا لانسحابها وهي معروفة
بوفائها في ما يخص مواعيد الانسحاب، فإن إيران قد بادرت خلال السنوات الماضية بتعزيز
حضورها في أفغانستان دبلوماسيا وأيضا بتقديم مساعدات مادية وبنيوية كبيرة، في قطاع
الاتصالات، والإعلام، والطاقة، والطرق، وبناء المدارس والحسينيات. ومع اقتراب موعد
الانسحاب الغربي بدأت رحلات مكوكية لوفود إيرانية متوجهة إلى أفغانستان تحضيرا لمرحلة
ما بعد الانسحاب، آخرها كان قبل أيام حيث توجه مستشار المرشد الإيراني علي خامنئي لشؤون
الأمن القومي إلى كابول.
وفي تقرير مهم للغاية
نشرته صحيفة الـ«نيويورك تايمز» مؤخرا، ذكرت أنه من بين 23 كتيبة عسكرية أفغانية تلقت
تدريبها على يد قوات الناتو، فإن كتيبة واحدة فقط يمكنها أن تعتمد على نفسها في حفظ
الأمن بعيدا عن المعونة الأجنبية. بمعنى آخر، أفغانستان مهددة بالفراغات الأمنية داخليا،
ولا تستطيع حماية حدودها وأجوائها، أي أنها غير مستعدة للانسحاب الكامل للقوات الأجنبية
والتي يسميها باراك أوباما «الخطة صفر»، وأن بقاء قوات أميركية خاصة تعدادها 20 ألفا
سيكون عاملا مهما للحفاظ على أفغانستان مستقرة نسبيا، بحسب تقرير قدمه قائد القوات
الأميركية في أفغانستان جون ألن.
في أفغانستان فرصة كبيرة
لإيران لم تكن لتفوتها، وهي التي تفلح دائما في الدخول إلى ساحة المعارك بعد فض الاشتباك
للاستئثار بغنائم الطرفين. أفغانستان مساحة جذب هائلة، فهي محطة عبور لآسيا الوسطى
ومنطقة بحر قزوين الثرية بأكبر ثاني احتياطي نفطي في العالم بعد منطقة الخليج العربي،
وجسر ممهد لنشر التشيع فيها، إضافة لتقوية ظهر المتطرفين الشيعة في باكستان النووية،
وإن وصلت طهران إلى ذلك فستكون فعلا رقما لا يمكن تجاهله في كل مشروع أو قرار، عربي
أو غربي، يتعلق بالمنطقة.
وهذا جدير بأن تتنبه
له دول الخليج العربي؛ بأن خسارة إيران للنظام السوري قد لا تكون آخر فصول المسرحية.
أمل عبد العزيز
الهزاني - صحيفة الشرق الأوسط
0 التعليقات:
إرسال تعليق