في مطلع نوفمبر من العام 1971، نشبت حرب بين الهند
وباكستان على إقليم كشمير الذي يحتل موقعا إستراتيجيا بين وسط آسيا وجنوبها، وله حدود
مع أربع دول هي الهند من الجنوب، وباكستان من الغرب والجنوب الغربي، وأفغانستان من
الشمال الغربي، والصين من الشرق والشمال الشرقي. وطبقا لإحصاء هندي أجري في 1981، بلغ
عدد سكان الإقليم 6 ملايين نسمة تقريبا، يشكل المسلمون 90 في المائة منهم، فيما تبلغ
مساحته 86023 ميلا مربعا.
ويتكون الشعب الكشميري
من أعراق مختلفة أهمها الآريون والمغول والأتراك والأفغان، وينقسمون إلى اتنيات متعددة
أهمها كوشر ودوغري وباهاري، ويتحدثون لغات عدة أهمها الكشميرية والهندية والأوردو،
ويستخدمون الحروف العربية في كتابتهم.
أهمية الإقليم
يمثل إقليم كشمير بالنسبة إلى الهند أهمية إستراتيجية،
إذ تعتبره امتدادا جغرافيا وحاجزا طبيعيا مهما أمام باكستان. وتخشى الهند إذا سمحت
لكشمير بالاستقلال على أسس دينية أو عرقية أن تفتح باباً واسعا لن تستطيع إغلاقه أمام
الكثير من الولايات الهندية التي تغلب فيها عرقية معينة أو يكثر فيها معتنقو ديانة
محددة.
أما باكستان، فيشكل
الإقليم مكملا طبيعيا وسياسيا مهما بالنسبة لها، إذ تنبع أنهار البلاد الثلاثة (السند
وجليم وجناب) منه، وتنفتح الحدود معه، ما يشكل تهديداً للأمن القومي الباكستاني في
حال سيطرت الهند عليه، إضافة إلى أن مصالح الإقليم الاقتصادية وارتباطاته السكانية
قوية بباكستان، فالإقليم ليس له ميناء إلا كراتشي الباكستاني، فضلا عن الروابط الدينية
والعائلية بين سكان المنطقتين.
مسلمو الهند عند هجرتهم إلى باكستان بعد التقسيم
بداية الصراع
احتلت بريطانيا شبه
القارة الهندية في مطلع القرن التاسع عشر، واستمر هذا الاحتلال حتى العام 1947 عندما
نالت الهند استقلالها بعد ثورة غاندي، وتم تنفيذ القرار في 15 أغسطس من العام نفسه.
وعلى أثر الانسحاب البريطاني ولدت دولتان: الهند وباكستان. لكن كلاً من حيدر آباد وجوناغاد وكشمير لم تتخذ قراراً بالانضمام
إلى إحدى الدولتين، ثم قرر حاكم إمارة جوناغاد المسلم أن ينضم إلى باكستان على رغم
وجود غالبية هندوسية في الإمارة، وأمام معارضة هذه الغالبية لقرار الحاكم دخلت القوات
الهندية وأجرت استفتاء انتهى بضم الإمارة إلى الهند، وحدث الأمر نفسه في ولاية حيدر
آباد.
أما كشمير فقد كان وضعها
مختلفا عن الإمارتين السابقتين، إذ طالب مهراجا كشمير الهندوسي بألا تنضم إلى أي من
الدولتين، ولكن اضطرابات كبيرة نشبت بعد ذلك بين المسلمين والحكام الهنود، وشهدت كشمير
صدادمات مسلحة تدفق على إثرها رجال القبائل الباكستانيين لمساندة المسلمين. وطلبت حكومة
كشمير آنذاك مساعدة الهند وأعقب ذلك دخول القوات الهندية لمساندة المهراجا، وخصوصا
بعدما أعلن موافقته على الانضمام إلى الهند متجاهلا رغبة الغالبية المسلمة في الانضمام
إلى باكستان، ولم تلبث الأمور ان تطورت الى حرب بين الدولتين.
الحرب الأولى
اندلع قتال مسلح بين
الكشميريين والقوات الهندية العام 1947، وتدخلت باكستان رسمياً في الحرب في مايو
1948 باعتبار أن وجود القوات الهندية في كشمير يشكل تهديداً لأمنها القومي. ثم رفعت
القضية الى مجلس الأمن الذي أصدر قراراً في 13/8/1948 ينص على تقسيم إقليم كشمير: ولاية
جامو كشمير الهندية ومن ضمنها وادي كشمير الشهير، تحت سيطرة الهند، والقسم الآخر تحت
سيطرة باكستان، ويفصل بين الإثنين خط المراقبة أو خط وقف النار.
الحرب الثانية
بعد اقل من عشرين عاما،
عاد التوتر بين الجانبين، وفي 5 أغسطس 1965 عبر مئات المسلحين من باكستان خط وقف النار
لإثارة السكان ضد حكام الولاية وقلب السلطة، وحاول الرئيس الباكستاني دعم المقاتلين
الكشميريين لكن الأحداث خرجت عن نطاق السيطرة، وتتابعت لتأخذ شكل قتال مسلح بين الجيشين
النظاميين الهندي والباكستاني. وانتهت الجهود الدولية بعقد "مؤتمر طشقند"
لوقف إطلاق النار بين الجانبين.
كانت الحرب الباردة
بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأميركية على أشدها في منتصف ستينات القرن
الماضي، وخشيت موسكو من استغلال الاضطرابات الإقليمية في آسيا الوسطى لمصلحة المعسكر
الغربي أو الصين التي لم تكن على وفاق متكامل معها آنذاك، فحاولت التدخل بقوة في الصراع
الدائر بين الهند وباكستان بشأن كشمير ورتبت لمؤتمر مصالحة بينهما عقد في كانون الثاني
(يناير) 1966 بطشقند، وبعد مفاوضات مضنية توصل الطرفان إلى تأجيل بحث قضية كشمير إلى
موعد آخر لم يحدد. وبوفاة رئيس الوزراء الهندي شاستري، انتهى المؤتمر إلى الفشل.
الحرب الثالثة
تجدد القتال بين البلدين
على خلفية حركة التمرد والانفصال التي قامت في باكستان الشرقية، وكان الميزان العسكري
هذه المرة واضحا لمصلحة الهند، الأمر الذي مكنها من تحقيق انتصارات عسكرية على الأرض.
وأسفر قتال 1971 عن انفصال القسم الشرقي من باكستان الذي أعلن استقلاله تحت إسم دولة
بنغلادش بدعم من الهند. وتوصل الطرفان الهندي والباكستاني إلى توقيع اتفاق سلام أطلق
عليه "سيملا 1971".
ينص الاتفاق على اعتبار
خط وقف إطلاق النار الواقع بين الجانبين في 17 ديسمبر 1971 خط هدنة بين الدولتين. وبموجب
هذا الاتفاق احتفظت الهند ببعض الأراضي الباكستانية التي سيطرت عليها بعد حرب 1971
في كارجيل تيثوال وبونش في كشمير الحرة، في حين احتفظت باكستان بالأراضي التي سيطرت
عليها في منطقة تشامب في كشمير المحتلة.
وعلى رغم التوتر في
العلاقات، استمرت محاولات خفض التوتر بين البلدين، اجتمع وزيرا خارجيتهما مرارا بين
العام الفين و2006 لتطوير صيغة الاتفاق وتأكيد الحفاظ على وقف إطلاق النار وزيادة الاتصالات
بين الجانبين، لكن تفجيرات بومباي التي قام بها متطرفون باكستانيون والهجوم على السفارة
الهندية العام 2008 أعادت التوترات مرة أخرى.
وفي 2010، شهدت كشمير
الهندية أسوأ أعمال عنف مرتبطة بالحركة الانفصالية في غضون عامين، حين قتل أكثر من 100 شخص جراء الاشتباكات مع قوات الأمن
الباكستانية. وفي المحادثات بين الدولتين التي عقدت في إسلام اباد يومي 23 و24 حزيران
(يونيو) 2011، تبادل الجانبان وجهات النظر حول قضية جامو وكشمير، من دون ان يتوصلا
الى حل للخلاف بين هما.
----------------------------
المصدر صحيفة
الحياة اللندنية----------------------------
0 التعليقات:
إرسال تعليق