بركان أزمة كشمير يلوِّح بحِمم نووية


بركان أزمة كشمير يلوِّح بحِمم نووية
المناوشات العسكرية التي شهدتها الخطوط الفاصلة الهندية الباكستانية في كشمير أخيراً، جاءت للتذكير بأن أزمة هذه المقاطعة المعلّق وضعها بين الالتهاب والهدوء المفخخ منذ 1947؛ ما زالت تحتفظ بسخونتها وجاهزيتها للاشتعال في أي لحظة. كما جاءت لتنذر بأن انفجارها هذه المرة يهدّد باندلاع حرب مختلفة بهولها وتدميرها عن الحروب السابقة التي وقعت بين الجارين اللدودين.
بل يهدّد بفتح السلام الإقليمي والدولي على المجهول، إذا ما تطور التأزم وبلغ حدود استخدام أسلحة الدمار والإبادة التي يملكها الجانبان. وهو احتمال ليس مستبعداً بحسب المراقبين. فالعداء مستحكم بينهما وجروحه غائرة. والنووي الموجود بحوزتهما هو في حسابهما من أدوات المواجهة أكثر من كونه وسيلة ردع.
التراشق الذي وقع عبر خط وقف إطلاق النار في كشمير، وأدى إلى سقوط خمسة جنود من الطرفين، ليس غريباً عن تلك المنطقة. فهو جزء من واقعها. الجديد فيه أنه «الأسوأ» منذ 2003، من حيث دمويته وما يعكسه من تنامي الاحتقان ودرجة العداء.
وكذلك من حيث أنه نسف للاعتقاد السائد بأن محاولات التقارب والتواصل بين نيودلهي وإسلام أباد خلال السنة الماضية قد ساهمت في تخفيف حدّة التوتر، ووضعت الخلاف على سكّة التهدئة المفتوحة على تسوية ما لعلاقات البلدين.
وزاد من المخاوف أن لغة التعامل مع الوضع المستجد عادت هي الأخرى إلى سابق عهدها وأكثر، من حيث التلويح بالتصعيد.
فقد توقف المراقبون عند كلام رئيس وزراء الهند مانموهان سينغ، الذي أكّد على رئيس أركان القوات الهندية بأن يكون «عنيفاً» في الرد على أي استفزاز باكستاني، مشدّداً على أن الاستمرار بهذا الوضع «غير ممكن»، وفي ظلّه يصبح المضي في عملية تذويب جليد العلاقات بين البلدين نوعاً من الاستحالة.
ممارسة مألوفة
مشهد الاتهام والنفي المتبادلين ممارسة مألوفة في مسيرة الخلاف حول كشمير. سبق وقاد إلى ثلاثة حروب كبيرة بين البلدين، إضافة إلى حربهما حول بنغلاديش، فضلاً عن الاحتكاكات العسكرية العديدة على الحدود وعمليات الكر والفر عبرها.
باتت الاشتباكات منذ فصل باكستان عن شبه القارة عام 1947، سمة العلاقة بينهما. ففي عام 1999، كادت هذه الاشتباكات أن تقود إلى الهاوية المرعبة. قبلها بسنة كانت الهند قد أجرت خمس تجارب لتفجيرات نووية. بعدها بأسبوعين ردت باكستان بست تجارب. لكن امتلاك قوة الردع النووي لم يمنع الحرب.
وبالذات لم يمنع نيودلهي من شنّ هجوم واسع النطاق حينذاك ردًا على تغلغل باكستاني عبر الحدود.
والآن يبدو أن هناك عودًا على بدء. الخلفية والخشية من أن يكون هناك وراء التصادم الأخير محاولة لتصدير أزمات داخلية إلى الخارج، حملت بعض الدوائر الأميركية إلى عدم استبعاد تحوّل النزاع الهندي الباكستاني إلى «مواجهة نووية».
الإدارة الأميركية أعربت عن «القلق». وقالت إنها تجري اتصالات مع الجانبين «عبر سفيريها في نيودلهي وإسلام أباد»، لتنفيس الأزمة. وواشنطن هي أقرب إلى الهند. خاصة على المدى البعيد، كقوة توازن في المنطقة.
لكن باكستان أكثر أهمية لها، بالرغم من التوتر شبه الدائم في العلاقة معها. هي بحاجة إليها، عشية الانسحاب من أفغانستان. ويمكن ضبط التأزم بين البلدين، إلى حدّ معيّن، كما يقول الأميركيون. لكن ليس ضمان عدم انفجاره. غير أن المواجهة الهندية الباكستانية الواسعة غير مرجحة، حسب قراءات الخبراء العسكريين الأميركيين.
مناوشات متواصلة
المناوشات الحدودية لا فكاك منها، طالما بقيت أزمة كشمير معلقة ومتروكة للحوار والمحادثات، التي أوصى بها قرار الأمم المتحدة عام 1948. وهذه الاحتكاكات مرشحة لدفع الموقف إلى حافة الهاوية. والمرة الأخيرة تؤكد ذلك.
والسوابق تقول إن بلوغ مثل هذه النقطة أدّى إلى حروب لا ضوابط لها. وفي إعلانها عن عقيدتها النووية، سبق وحدّدت باكستان حالتين للجوئها إلى هذا السلاح في المعركة: إذا تعذّر على قواتها ردّ هجوم عسكري هندي كاسح على أراضيها.
ثانياً، إذا تعرضت لضربة نووية هندية. نيودلهي تزعم بأنها لن تكون البادئة في النووي. ربما لأن تفوقها العسكري بالعدد والعتاد يجعلها في غنى عن هذا السلاح. لكنه تفوّق، في حال تحققه ميدانيًا، قد يحمل إسلام أباد على ترجمة تهديدها لوقف زحف جارتها.
أزمة كشمير كالبركان الذي له انفجارات دورية. يقذف حممه، ثم يركد ليعاود الغليان، ولفظ نيرانه المدمرة بعد حين. لكن الحمم هذه المرة قد تكون نووية. وعلى المجتمع الدولي استباقها ووقف تجاهل خطر هذه الأزمة لوضع مخرج لها قبل فوات الأوان.
المصدر: واشنطن ــ فيكتور شلهوب

0 التعليقات:

إرسال تعليق