تطور العلاقات الهندية - الباكستانية (2-3)


تطور العلاقات الهندية - الباكستانية (2-3)
منذ أن انفصلت باكستان عن الهند عقب الاستقلال عام 1947، ظهرت فجوة كبيرة فى المستوى الحضارى بين شطرى باكستان الشرقى والغربى فعلى المستوى الجغرافى، تبلغ مساحة باكستان الغربية 310،403 ميل مربع وتعتبر باكستان الغربية أرضا قليلة الأمطار مما أثر بشكل سلبى على النشاط الزراعى بها، أما باكستان الشرقية فتقع فى منطقة تعتبر من أكبر دلتا الأنهار فى العالم وقد أدى هذا الاختلاف المتأخر إلى تنوع المحاصيل الزراعية وتباين نظام السكان والطعام والملابس، مما أحدث أسلوبا مختلفا للحياة فى كل منهما، وكذلك عمل ذلك على ظهور المشاكل الاقتصادية، فبينما مشكلة باكستان الغربية هى نقص المياه، نجد أن مشكلة باكستان الشرقية هى الفيضان أثناء فصل الأمطار الموسمية، وعلى ذلك تحتاج باكستان الغربية إلى مشروعات واسعة لأعمال الرى، بينما تحتاج باكستان الشرقية إلى تدابير للسيطرة على الفيضان وتدبير أعمال الرى وبالنسبة للسكان، ترتفع نسبة الكثافة السكانية لباكستان الشرقية إلا أن معدل التحضر بها منخفض، حيث يبلغ 5،2% بينما معدل التحضر فى باكستان الغربية 22،5%، وهذا يدل على التخلف الاقتصادى والاجتماعى فى باكستان الشرقية. وعلى الصعيد الاجتماعى والسياسى، ظل هيكل السلطة وصورة المجتمع ثابتا نسبيا فى المناطق الريفية فى باكستان الغربية، بينما اتخذ ذلك صورة مفككة فى المناطق ذاتها فى باكستان الشرقية، حيث لم تكن هناك أى قيادات أو مؤسسات محلية دائمة، ومما زاد من سوء الأمر هو انعزال المناطق الريفية فى باكستان الشرقية، مما أدى إلى أن تكون السلطة محلية ومتناثرة وغير مستقرة، وكذلك عمل عدم وجود تنظيم اجتماعى قوى على عدم تركيز السلطة السياسية وتعتبر باكستان الغربية هى إقليم الإدارة، حيث ساهمت بصورة كبيرة فى أجهزة الإدارة المدنية والمؤسسات العسكرية، ونمت فيها تقاليد الحياة العسكرية فعقب الاستقلال، أدت السياسة التى اتخذتها الحكومة المركزية فى باكستان الغربية إلى زيادة التفاوت القائم بين باكستان الغربية وباكستان الشرقية فقد شعر واضعو السياسة فى باكستان فى هذا الوقت بأن مصير الدولة الجديدة لم يتأكد بعد مما جعلهم يتبعون سياسة تزيد من تلاحم ووحدة باكستان وأدى الاهتمام ببناء الدولة وزيادة كفاءة الإدارة الحكومية إلى المركزية وعدم المساواة فى توزيع السلطة بين الجناحين وظهرت البيروقراطية المدنية العسكرية التى سيطر عليها الباكستانيون الغربيون والتى قيدت من الاشتراك المباشر لمواطنى باكستان الشرقية ذوى الأصل البنغالى فى الإدارة ولم ترحب الصفوة البنغالية فى باكستان الشرقية بهذه المركزية الإدارية والسياسية، وأسسوا فى عام 1949 حزب رابطة عوامى وهو أول حزب إسلامى معارض فى باكستان الشرقية وكان الحزب هو التنظيم السياسى والمتحدث الرئيسى للصفوة البنغالية وفى اجتماع شعبى كبير، قدم الحزب مقترحات باكستان الشرقية بخصوص الوضع السياسى والإدارى غير المتكافئ فقد دعا الحزب إلى أن يقتصر اختصاص الحكومة المركزية على ثلاثة أمور هى: الدفاع والشئون الخارجية والنقد، بينما تترك الأمور الأخرى لاختصاص باكستان الشرقية وباكستان الغربية وظلت هذه المقترحات هى أساس جميع المطالب للاستقلال الذاتى للإقليم.

وفى عام 1954، تحدت الصفوة البنغالية الحكومة المركزية بالاشتراك فى الانتخابات، فتكونت الجبهة المتحدة المعارضة من حزب رابطة عوامى وحزب نظام الإسلامى اليمينى وأصدرت برنامجا انتخابيا من إحدى وعشرين نقطة، أهمها النقطة التاسعة عشرة التى تنص على ضرورة الحصول على الاستقلال الذاتى الكامل وإخضاع كافة الأمور لسيطرة الإقليم على أن يترك الدفاع والشئون الخارجية والنقد لسيطرة الحكومة المركزية وفازت الجبهة المتحدة المعارضة فى الحصول على 223 مقعدا من 309 مقاعد فى الجمعية التشريعية لباكستان الشرقية، بينما حصل حزب الرابطة الإسلامية الحاكم على عشرة مقاعد فقط وفى 15 مايو سنة 1954، شكل فضل الحق أحد زعماء الحزب وزارة كاملة لباكستان الشرقية من مختلف الطوائف ولكن كانت الإقالة السريعة لوزارة الجبهة المتحدة المعارضة دليلا على تعصب الصفوة الحاكمة ضد أى معارضة سياسية ففى مايو عام 1954، أقالت الحكومة المركزية الوزارة ووضعت إقليم باكستان الشرقية تحت الحكم المباشر للحاكم العام لباكستان وتم تحديد إقامة فضل، واستمرت هذه السياسة التعسفية تجاه باكستان الشرقية حتى مجىء أيوب خان إلى السلطة فى باكستان عام 1958 فقد أحس أيوب خان بظاهرة انعدام المساواة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية التى كانت سببا كبيرا لتوتر وسوء تفاهم شديد بين الإقليمين وفى أول مارس 1962، أعلن الدستور الجديد لباكستان، وهو الدستور الذى اهتم بتحقيق المساواة بين باكستان الشرقية وباكستان الغربية فى جميع مناصب الحكومة المركزية، وعلى أن تفتح أبواب الدفاع الوطنى عن باكستان للأفراد من جميع أنحاء باكستان إلا أنه رغم ذلك، فقد رفض أيوب خان إعطاء باكستان الشرقية الحكم الذاتى الإقليمى حتى لا ينقلب إلى استقلال كامل، وقد أدى ذلك إلى نشوب اضطرابات سياسية فى باكستان الشرقية بلغت ذروتها سنة 1968 باكتشاف مؤامرة قام بها عدد من قدماء العسكريين وكبار موظفى الحكومة وزعماء أحزاب المعارضة البنغال لخطف الرئيس أيوب خان أثناء زيارته لباكستان الشرقية فى ديسمبر سنة 1967 وتم القبض على قادة المؤامرة.

فى نوفمبر سنة 1970، ضرب إعصار عنيف سواحل باكستان الشرقية وأودى بحياة نحو نصف مليون شخص، وتعرضت غالبية السكان للأوبئة والأمراض وانتشرت المجاعة لدرجة أن بعض المحللين قد وصفوا هذه الكارثة بأنها هيروشيما أخرى فى الوقت التى حدثت فيه الكارثة كان رئيس باكستان هو يحيى خان الذى تولى السلطة عام 1969 بتأييد من المؤسسة العسكرية وكان البطء الملحوظ الذى صاحب استجابة السلطات الباكستانية لعلاج الكارثة قد زرع بقوة علامات الغضب والكراهية فى نفوس سكان باكستان الشرقية، والذين رأوا هذا الإبطاء كدليل على سياسة الحكومة التمييزية.

وقد تم إجراء انتخابات حرة لاختيار أعضاء الجمعية التشريعية سنة 1971، ولكن نتيجة الانتخابات كانت بمثابة الصدمة بالنسبة للقيادة العسكرية ولحزب الشعب الحاكم بقيادة ذو الفقار على بوتو، حيث فاز حزب رابطة عوامى بزعامة مجيب الرحمن بالأغلبية فى باكستان الشرقية وكان ذلك يعنى أن رئيس الوزراء القادم سوف يكون القائد البنغالى مجيب الرحمن وليس على بوتو هذا السيناريو بالطبع كان مرفوضا رفضا قاطعا بالنسبة للحكومة المركزية فى باكستان الغربية، وكان نتيجته أن قام الرئيس يحيى خان بحل الجمعية التشريعية لأجل غير معلوم وقد اعتبرت رابطة عوامى هذا الإجراء بمثابة محاولة حكومية لقطع الطريق على باكستان الشرقية لطلب الحكم الذاتى، فبدأت موجة من الإضراب العام الذى شل جميع مظاهر الحياة فى باكستان الشرقية، الأمر الذى دفع يحيى خان إلى إعادة عمل المجلس التشريعى، ولكنه فى الوقت ذاته كان قد وضع ترتيباته للتدخل بالجيش فى باكستان الشرقية.

بعد مباحثات فاشلة مع جبهة رابطة عوامى، أمر يحيى خان باعتقال زعماء حزب رابطة عوامى، وقرر إرسال الجيش لسحق الحركة البنغالية الانفصالية وإعادة الأوضاع تحت تصرف الحكومة المركزية وكان التدخل العسكرى فى باكستان الشرقية دمويا ووحشيا، فقد انتشرت أعمال العنف والقتل والاغتصاب، ووصلت الأمور إلى ذروتها وحدتها بين الجيش وحركة المقاومة التى أسرعت إلى إنشاء حكومة مؤقتة لهم داخل باكستان الشرقية، وأطلقوا عليها اسم حكومة بنجلاديش وقد أدى احتدام القتال إلى نزوح الملايين من سكان باكستان الشرقية إلى البنغال الغربية التى كانت تقع داخل حدود الدولة الهندية وقد نتج عن ذلك زيادة العبء على ولاية البنغال الغربية، خاصة أنها تعتبر من أكثر الولايات الهندية ازدحاما بالسكان وتخلفا على المستوى الاقتصادى، وأيضا عدم استقرار ويتراوح هذا العدد الهائل إليها فقد وجدت الحكومة الهندية نفسها مضطرة إلى توفير الغذاء والمأوى لهذه الأعداد الكبيرة، مما يعنى الضغط على خططها ومواردها الاقتصادية المحدودة.

وفى ظل هذه الأوضاع، وجدت الهند نفسها تدفع ثمنا كبيرا لظروف مأساوية ليس لها أى شأن فى حدوثها كذلك وجدت الهند أن التدخل العسكرى الباكستانى فى شرق باكستان هو فرصة تاريخية لضرب وحدة باكستان وإثبات خطأ نظرية وحدة الأمة الإسلامية ونظرية الأمتين (الهندوسية والإسلامية) فى شبه القارة الهندية عن طريق التدخل لفصل باكستان الشرقية عن باكستان وهكذا، وجهت أنديرا غاندى رئيسة وزراء الهند حينذاك إنذارا إلى باكستان بالتوقف عن حملتها فى الإقليم، إلا أن الجيش الباكستانى واصل القتال الذى امتد فى العديد من المناطق إلى الحدود الباكستانية الهندية والاشتباك بين قوات كلا الجانبين هناك.

ومع تدفق اللاجئين، وجدت أنديرا غاندى أن مشكلة اللاجئين سوف تعوق اقتصاد الهند إلى الوراء إذا لم يتم اتخاذ حل سريع وحاسم بشأنها، ورأت أن تدخلا عسكريا حاسما ضد باكستان سوف يكون أجدى اقتصاديا واستراتيجيا بالنسبة لمستقبل علاقاتها مع باكستان وفى هذا الإطار، وقعت الهند اتفاقية صداقة مع الاتحاد السوفيتى لمدة 25 عاما، وكانت هذه الاتفاقية غطاء لحلف عسكرى بين الدولتين، وهذا يشكل بدوره عامل ردع ضد كل من باكستان وحليفتها الصين.

وفى أكتوبر 1971، بدأت القوات الهندية فى تقديم المساعدة لحكومة الحركة الوطنية فى باكستان الشرقية، ولكن ارتفاع عدد ضحايا الجنود الهنود قد خلق ضغطا شعبيا كبيرا على غاندى للأخذ بالثأر والدخول بالقوة فى المعركة ضد باكستان وبالفعل، بدأت الحرب بأن قامت القوات الهندية بالاشتباك مع القوات الباكستانية على حدود باكستان الشرقية وفى 1 ديسمبر 1971، وجهت غاندى إنذارا إلى يحيى خان بسحب كل قواته من باكستان الشرقية، ولكن يحيى خان رفض الإنذار على الرغم من تفوق القوات الهندية عدديا على نظيرتها الباكستانية، وأمر بتوجيه ضربة جوية عنيفة للهند فى 3 ديسمبر، ولكن الهجوم فشل نتيجة عدم فعالية الضربة والتحصين القوى للطائرات الهندية وفى منتصف ديسمبر، ازدادت حدة المعارك على الجانبين مع ظهور مؤشرات بتقدم القوات الهندية وتراجع الجيش الباكستانى، واستمر القتال لصالح القوات الهندية حتى تم إعلان وقف إطلاق النار، فى أواخر ديسمبر وذلك بشروط الهند فمع وقف إطلاق النار، كانت الهند قد سيطرت كليا على الموقف الحربى واستولت على كل باكستان الشرقية وعلى أراض من باكستان الغربية وقد أعلنت الهند إقامة دولة بنجلاديش فى إقليم باكستان الشرقية لتصبح وطنا دائما للبنغال الذين نزحوا إليها قبل ذلك وبذلك تم التقسيم مرة أخرى فى شبه القارة الهندية، ولكن هذه المرة تم داخل باكستان وظهرت دولة جديدة فى شبه القارة تعرف باسم بنجلاديش وقد امتد نطاق القتال بين الدولتين إلى الحدود الهندية الباكستانية فى باكستان الغربية واستولت الهند على مساحات واسعة من الأراضى الباكستانية فى أقاليم السند والبنجاب ومن الجدير بالذكر أن مجلة السياسة الدولية نشرت تحليلا لحرب سنة 1971 بعد وقوعها مباشرة باستخدام نظرية المباريات وقد كانت تلك المرة الأولى التى يشار فيها إلى تلك النظرية فى المجلة.
--------------------------------------------------------------------
بقلم: د. محمد السيد سليم - المصدر: السياسة الدولية - الأهرام - مصر

0 التعليقات:

إرسال تعليق