لا توجد لدى جينغ يوشن، مؤسسة إحدى شركات الإنترنت
الناشئة في العاصمة الصينية، أي مصلحة في إسقاط الحزب الشيوعي الحاكم، غير أنها وجدت
نفسها في الأيام الماضية ساخطة على الشرطة الإلكترونية، لأنها فشلت في تصفح مواقع تبادل
الصور مثل «فليكر» ولأنها تسعى جاهدة للبقاء على تواصل مع أصدقائها على موقع «فيسبوك»،
ممن تعرفت عليهم خلال رحلاتها الأخيرة إلى فرنسا والهند وسنغافورة.
صار استخدام بريد جوجل الإلكتروني «جي ميل» شبه مستحيل
هنا، إذ عطلت السلطات خلال الأسابيع الماضية برنامج «أستريل» الذي تعتمد عليه جينغ.
ومن خلال التداخل مع «أستريل» والكثير من البرامج
الإلكترونية واسعة الاستخدام، أو ما يعرف باسم «في بي إن»، تسببت الحكومة في تعقيد
حياة علماء الفلك الصينيين الذين يسعون الأقل للوصول إلى بيانات علمية من الخارج، وكذلك
مصممو الغرافيك الذين يتسوقون بحثا عن قطع فنية ما على موقع شاترستوك، والطلاب الذين
يتقدمون عبر الإنترنت بطلبات الالتحاق بالجامعات الأميركية.
وتقول جينغ (25 عاما) «لو كان الاحتجاج وإلقاء البيض
الفاسد في الشارع قانونيا، لفعلت ذلك بكل تأكيد».
فرضت الصين منذ فترة طويلة قيودا على الإنترنت عدت
الأقسى على مستوى العالم. لكن حتى الآن، تسامحت السلطات بشكل فعال مع انتشار البرامج
الإلكترونية واسعة الانتشار على اعتبار أنها بمثابة شريان حياة للملايين من المواطنين،
من علماء الآثار إلى المستثمرين الأجانب، الذين يعتمدون على الإنترنت بكثافة.
لكن في وقت سابق من هذا الأسبوع، تقدمت بعض شركات
الإنترنت، مثل سترونغ في بي إن، وغولدن فروغ، بشكوى من أن الحكومة الصينية عطلت خدماتها
بتعقيدات غير مسبوقة. وأقر أحد كبار المسئولين، لأول مرة، بضلوع الحكومة في الهجمات
الإلكترونية ووعد ضمنيا بتنفيذ المزيد منها.
وأثارت خطة تعطيل الشبكات الإلكترونية الأكثر استخداما
غضبا واسعا بين فناني مقاطع الفيديو، ورجال الأعمال، وأساتذة الجامعات ممن اشتكوا من
أن الحزب الشيوعي يسعى لخنق الابتكار والإنتاجية المطلوبة لإنعاش الاقتصاد الصيني في
وقت النمو البطيء. ويقول هنري يونغ (25 عاما)، وهو محرر دولي للأخبار لدى شركة إعلامية
مملوكة للحكومة ويستخدم موقع فيسبوك لمتابعة المذيعين الأميركيين «أشعر أننا صرنا مثل
الضفادع التي يجري غليها ببطء في المياه».
تخشى الشركات متعددة الجنسيات كذلك من القيود المفروضة
والمتصاعدة على الإنترنت. وما يدعو للقلق خصوصا، كما يقولون، هي اللوائح الجديدة التي
قد تجبر الشركات التقنية الأجنبية وشركات الاتصالات على توفير «الأبواب الخلفية» للحكومة
أمام أجهزتهم وبرمجياتهم ومطالبهم بتخزين البيانات في الصين.
وعلى غرار نظرائهم في الصين، فإن أصحاب الأعمال الغربيين
صاروا يشكون من عدم القدرة على الوصول إلى الكثير من خدمات غوغل منذ الصيف الماضي.
وقبل أسابيع قليلة، عطلت الصين تسلم البريد الإلكتروني
«جي ميل» على الهواتف الذكية بواسطة خدمات البريد الإلكتروني للطرف الثالث مثل أبل
ميل ومايكروسوفت آوتلوك.
وتسبب التعطيل الأخير للكثير من خدمات الشبكات واسعة
الاستخدام أمام موظفي الشركات، في صعوبة استخدام البرمجيات التعاونية مثل مستندات غوغل،
رغم أن بعض الناس وجدوا حلولا عبر طرق أخرى، على الأقل في الوقت الراهن.
ويقول جيمس زيمرمان، رئيس غرفة التجارة الأميركية
في الصين «إحدى النتائج المؤسفة للسيطرة المفرطة على خدمات البريد الإلكتروني وحركة
المرور عبر الإنترنت هي تباطؤ حركة التجارة المشروعة، وهذا أمر لا يصب بأي حال في المصلحة
الصينية. فكي تجذب وتشجع المؤسسات التجارية ذات السمعة العالمية، تحتاج الحكومة إلى
تشجيع استخدام الإنترنت كوسيلة ضرورية لتبادل المعلومات والأفكار لتعزيز النمو الاقتصادي
والتطوير».
كانت لدى السلطات الصينية ومنذ فترة طويلة، القدرة
على الدخول إلى الشبكات الشعبية الافتراضية، لكن اهتمامها بتعطيل تلك الخدمات تصاعد
جنبا إلى جنب مع توجه الحكومة تجاه الهيمنة الإلكترونية، وخصوصا منذ تولي الرئيس الحالي
تشي جينبينغ السلطة قبل عامين. أما لو ووي، مسئول الدعاية الذي عينه الرئيس تشي في
منصب مسؤول عن الإنترنت في البلاد، فلا يبدو مستعدا للاعتذار عن الترويج لفكرة أن الصين
لديها كامل الحق في حجب مجموعة واسعة من المحتوى الإلكتروني.
وأشار المؤسس المشارك لشركة غريت – فاير، وهي شركة
تقيس مدى الرقابة الصينية على الإنترنت، إلى أن الحكومة قررت أن الاستخدام المهول للشبكات
الشعبية الافتراضية من قبل الصينيين العاديين يبرر الهجمة الشرسة على مثل تلك البرمجيات.
وأضاف المؤسس المشارك الذي طلب عدم الكشف عن هويته تجنبا للملاحقة الحكومية «ليس ذلك
إلا مجرد خطوة أخرى للأمام، وخطوة منطقية. السلطات مصممة على تنفيذ الهيمنة الإلكترونية
في الصين. فإذا نظرت إلى ما يحدث في الصين منذ الصيف الماضي، ترى أن الأمر مذهل تماما».
ونفى المسئولون الحكوميون أي دور لهم في تعطيل موقع
غوغل كما رفضوا الاتهامات الموجهة للسلطات الصينية بأنها كانت وراء هجمات «الرجل الوسيط»
على موقع آوتلوك قبل أسبوعين فضلا عن حوادث الاختراق المبكرة التي شملت موقعي ياهو
وأبل. غير أن تلك المطالبات لاقت وإلى حد كبير آذانا صماء، خصوصا في ضوء حملة بكين
المستعرة ضد «القوى الأجنبية المعادية» التي تقول إنها تسعى إلى تقويض البلاد من خلال
الإنترنت.
ومع ذلك، أقر أحد كبار المسئولين لدى وزارة الصناعة
وتكنولوجيا المعلومات، أن الحكومة استهدفت الشبكات الشعبية الافتراضية لتعزيز «التنمية
الصحية» للإنترنت في البلاد، كما أعلن أن مثل تلك البرمجيات يعتبر استخدامها غير قانوني
في الصين. وأضاف وين كو، المدير في الوزارة المذكورة في مؤتمر صحافي ووفقا لصحيفة الشعب
اليومية أن «الحكومة تحتاج إلى أساليب جديدة للتعامل مع المشكلات الجديدة».
0 التعليقات:
إرسال تعليق