باكستان.. ومأزق الحكومة المدنية


باكستان.. ومأزق الحكومة المدنية
فيما يتركز الاهتمام على الانسحاب الوشيك للقوات الغربية من أفغانستان، والتداعيات التي ستترتب عليه في المنطقة وما وراءها؛ تبدو باكستان مرة أخرى وكأنها البلد المقدر عليه الاضطراب السياسي وما ينتج عنه من معاناة. وليس هناك أحد لديه القدرة على التنبؤ بما ستسفر عنه الموجة الحالية من الفوضى السياسية. فحكومة باكستان المدنية تجد نفسها فجأة عرضة لهجوم من كافة الجبهات، وهو ما قاد البعض للتنبؤ بأن الجيش الذي حكم باكستان لأكثر من نصف عدد السنوات الخمس والستين، التي مضت منذ أن نالت استقلالها، يمكن مرة أخرى، أن يلعب دوراً رئيسياً في إدارة البلاد.
ومما ساهم في زيادة الاضطراب في باكستان تلك الجموع الحاشدة التي يقوم بتجييشها د. طاهر القادري، وهو شخصية دينية باكستانية تحظى بالتوقير، تقود في الوقت الراهن احتجاجات عارمة ضد الفساد في البلاد. ويوصف القادري بأنه شخص يحظى بحماية ودعم الجيش. ومن يصفونه بذلك يشيرون للعلاقة الوثيقة التي نشأت بينه وبين الجيش عام 1999، عندما لعب دوراً بارزاً في الجهد الناجح الذي بذله العسكريون في ذلك الوقت للسيطرة على الحكومة والإمساك بمقاليد السلطة.
غير أن ما يحدث في الوقت الراهن، هو أن الجيش ينكر أي صلة تربطه بالقادري. ويرجع ذلك الموقف من قبل الجيش إلى أن قائده العام الجنرال إشفاق كياني يختلف عن أسلافه السابقين في أنه يفضل دائماً لعب دوره من وراء ستار، في دولة اشتهرت بأن الجيش كان يتدخل دوماً ضد الحكومات المدنية ويقوم بإقالتها ويستولي على زمام السلطة، كلما لاحت نذر فوضى في البلاد.
وقد نجح طاهر القادري الذي اشتهر بخطبه النارية، في إحداث نوع من الحراك السياسي من خلال مطالبته لحكومة «آصف على زرداري» بالاستقالة، وحل الجمعية الوطنية، وتكوين لجنة انتخابية جديدة وإدخال إصلاحات انتخابية تشتمل على قيام المرشحين بتقديم ما يشبه براءة ذمة قبل انطلاق العملية الانتخابية للتأكد من أنهم ليسوا متورطين في قضايا فساد، وأنهم قد دفعوا الضرائب المقررة عليهم حسب الأصول، ويتمتعون بسجل نظيف لا تشوبه شائبة كممثلين للشعب في الجمعية الوطنية.
ليس هذا فحسب بل هدد القادري بخلق حالة شبيهة بالحالة التي كانت سائدة في «ميدان التحرير» المصري، إذا لم يتأكد أن مطالبه من أجل وضع الديمقراطية على الطريق الصحيح مرة أخرى لم يُستجب لها. ليس هذا فحسب، بل أن القادري طالب بأن يكون للجيش كلمة في تشكيل الإدارة المؤقتة التي سيعهد إليها بمهمة الإشراف على المرحلة التحضيرية للانتخابات المقرر عقدها في شهر مايو المقبل.
والقادري الذي يحتج خارج البرلمان، ومعه الآلاف من المحتجين الغاضبين، لم يترك أمام الحكومة من خيار سوى البدء في مباحثات معه. ويشار في هذا الصدد، أن فريقاً حكومياً مكوناً من أربعة مسئولين أجرى محادثات مطولة مع القادري، بحثاً عن مخرج من المواجهة الحالية. وتوصل ذلك الفريق إلى قرار مؤداه أنه طالما أن مطالب طاهر القادري لإجراء إصلاحات، والحصول على أدلة على حسن سيرة وسمعة المرشحين لا تتطلب أي تعديلات دستورية، ويمكن بالتالي قبولها من خلال قانون بسيط يتم تمريره من قبل البرلمان أو من خلال مرسوم رئاسي، فإن تلك المطالب يمكن تنفيذها في الوقت المناسب. كما اتُفق أيضاً على أن يكون لحزب«تحريك عوامي» التابع للقادري دوراً في اختيار رئيس وزراء يدير حكومة لتسيير الأعمال خلال فترة الحملة الانتخابية، على أن يقوم وزير العدل بالتشاور مع القادري بتشكيل اللجنة الانتخابية التي تشرف على عملية الاقتراع. وفي مقابل ذلك سيتوقف القادري عن الإصرار على ضرورة استقالة حكومة زرداري على الفور.
وقبل إنهاء احتجاجاته قال القادري لأنصاره إنه قد يكون من المناسب «أعطاء الديمقراطية فرصة أخيرة»، وإنهاء الحصار الذي يفرضونه على المباني الحكومية.
ولكن الحكومة المدنية وجدت نفسها في خضم أزمة جديدة عندما أمر «افتخار شودري» كبير قضاة المحكمة العليا بالقبض على رئيس الوزراء «راجا برويز أشرف»، لاتهامه في قضية رشوة. وعلى الرغم من أن الحكومة الباكستانية لم تنفذ حتى الآن أمر القبض على رئيس الوزراء، فإن ذلك القرار الصادر من القاضي شودري وضع الهيئة القضائية على سكة الصدام المباشر مع الفرع التنفيذي.
وليس من الواضح ما ستتمخض عنه الأمور في هذه القضية. ويشار إلى أن المحكمة العليا الباكستانية لم تكن سعيدة عندما أعلن جاهز مكافحة الرشوة في البلاد، أن ثمة ضعفاً في الدليل المقدم في قضية الفساد التي تضم رئيس الوزراء، وقد لا يقود إلى إدانته.
ولكن الشيء الذي يجب انتظاره بترقب في باكستان في الوقت الراهن هو ما إذ كانت حكومة زرداري ستكون أول حكومة مدنية في السنوات الأخيرة تكمل مدتها الدستورية في السلطة أم أن التاريخ سيعيد نفسه ويتم الإطاحة بها كما حدث من قبل في العديد من المرات. فالجيش الباكستاني على الرغم من كل شيء سيبقى هو المؤسسة، الأقوى والأكثر نفوذاً في البلاد، كما أنه ليس سراً أن قيادة باكستان العسكرية تشعر بأن الحكومة المدنية التي يقودها رئيس حزب «الشعب» الباكستاني آصف علي زرداري قد فشلت في التعامل مع التحديات الاقتصادية والسياسية التي تواجهها البلاد. لقد تمكن القادري من اجتذاب جماهير كبيرة لصفه من خلال التركيز على المشكلات الاقتصادية التي تواجه البلاد، وعلى توضيح عدم وجود أي مظاهر للتحسن في حياة الناس.
وحتى في الوقت الذي ترتطم فيه باكستان بأزمة طاحنة، نجد أن علاقاتها الثنائية مع الهند تتعرض لضربة بسبب مصرع اثنين من الجنود الهنود، وحدوث انتهاكات وقف إطلاق النار على خط التقسيم في كشمير. وهكذا تجد الحكومة الباكستانية نفسها في وضع تضطر فيه لمواجهة تحديات صعبة تتمثل في الحيلولة دون تدهور علاقاتها مع الهند من ناحية والاستمرار في الحكم في فترة تشهد فوضى سياسية داخلية عارمة من ناحية أخرى.
جريدة الاتحاد

0 التعليقات:

إرسال تعليق