ركود المحاصيل نذير شؤم على الفقراء
في باكستان
تعد صور حقول القمح اليانع، والذي يعد المحصول الغذائي
الرئيسي في البلاد، أو صور حقول الأرز الخصبة الخضراء صور شائعة على البطاقات البريدية
والتقويمات في باكستان، خاصة عند اقتراب يوم الاستقلال. ولكن صور حزم القمح الذهبية
البراقة تخفي وراءها حقيقة لا بريق فيها.
ففي حديث لشبكة الأنباء الإنسانية (إيرين)، قال إبراهيم
موغول، رئيس المنتدى الزراعي في باكستان، وهو منتدى يمثل المزارعين في البلاد، أن
"منتوج الفدان الزراعي الواحد في باكستان لم يتغير منذ عام 1999. حيث تنتج الـ
55 مليون فدان من الأراضي الزراعية الآن نفس كمية الغذاء الذي كانت تنتجه في عام
1999 في الوقت الذي شهد فيه عدد السكان زيادة بحوالي 30 مليون نسمه خلال 15 عامًا.
من الواضح جداً إذاً أن كمية الغذاء هذه لم تعد تكفي لإطعام الجميع".
وينتشر انعدام الأمن الغذائي في إقليم السند، الذي
تقطنه 35 مليون نسمة ويتم فيه زراعة 14 مليون فدان بالمحاصيل. وتعاني أكثر من 71 بالمائة
من الأسر من انعدام الأمن الغذائي، 17 بالمائة منها تعاني من انعدام الأمن الغذائي
مع "الجوع الشديد" و34 بالمائة من "الجوع المتوسط".
ويشير تقرير صدر الشهر الماضي عن إدارة التخطيط والتنمية
في حكومة السند إلى أن الجوع منتشر بالرغم من وفرة الأراضي الزراعية.
وتتنوع التفسيرات حول الأسباب التي تجعل هذه المقاطعة
الغنية بالأراضي الزراعية على ضفاف نهر السند، حيث تنمو محاصيل الأرز والقمح والسكر
والمانجو، غير قادرة على إطعام سكانها الأثرياء نسبيًا (أكثر ثراءً بثلاث مرات عن المعدل
الوطني).
وحسب محسن نزير سوراني، مسئول كبير في منظمة إنقاذ
الطفولة، وهي منظمة رائدة في تحالف الأمن الغذائي في حالات الطوارئ في باكستان الذي
يحاول وضع إجراءات لمكافحة الجوع في السند، يعود "السبب الرئيسي في ذلك إلى التملك
غير العادل للأراضي في السند...فعلى سبيل المثال، يستحوذ الملاك على معظم الأراضي في
حين يبقى معظم السكان بلا أراضي".
وهو ما أكده عبيد أحمد، أحد سكان القرى الذين لا يمتلكون
أراضي في السند، بقوله أن "هناك أراضي كافية لزراعة المحاصيل الغذائية ولكنها
لا تخصنا. إن فداناً واحدا أو أقل سيمكنني من إطعام أسرتي المكونة من خمسة أفراد".
ويميل كبار ملاك الأراضي في السند إلى التركيز على
زراعة المحاصيل النقدية مثل القطن، أو إنتاج أغذية للأسواق التي لا تستطيع الأسر الفقيرة
أن تتحمل تكلفتها.
ويعتمد الكثير من سكان السند على الأسواق المحلية للحصول
على الغذاء حيث يعيش نصف سكان الإقليم تقريبا في المدن والبلدات وخاصة كراتشي وحيدر
أباد. وكان محصول عام 2012-2013 الأقل خلال أربع سنوات حيث ارتفعت الأسعار علاوة على
تنامي الطلب.
من جهته، أفاد أمجد جمال، الناطق باسم برنامج الغذاء
العالمي في باكستان، أنه "على الرغم من كون الإنتاج الزراعي المحلي يعتبر أساسيا
في تحقيق الأمن الغذائي الوطني المستدام إلا أنه لا يستطيع بمفرده ضمان الأمن الغذائي
على مستوى الأسرة".
وأضاف جمال أن "العامل الرئيسي المحدد للأمن الغذائي
في باكستان هو القدرة على تحمل تكاليف الغذاء وليس الإنتاج الوطني العام. وهذا الأمر
صحيح بالنسبة لإقليم السند أيضا".
· واردات
القمح
تستعد البلاد هذا العام لاستيراد ما بين 800,000 إلى
مليون طن من القمح طبقا لتقارير إعلامية، في محاولة منها لتعويض النقص المحلي من القمح.
وهو ما أكده إبراهيم موغول، رئيس المنتدى الزراعي، بقوله: "نعم يجري استيراد القمح
من آسيا الوسطى". وفي العادة، تعتبر باكستان دولة مصدرة للقمح ولكن وارداتها منه
هذا العام زادت أربعة أضعاف عن العام الماضي.
وأضاف موغول أن "هذا حدث في الماضي أيضا. وقد
خلق ذلك مشكلات خاصة حيث تم استيراد قمح رديء الجودة، يستعمل عادة كعلف للحيوان، وتم
خلطه بالقمح الباكستاني في المطاحن وهو ما نتج عنه دقيق رديء الجودة تم تقديمه للناس".
وقد ظل المنتوج الزراعي في باكستان ثابتاً بسبب نقص
الاستثمار في الأبحاث والماكينات والبذور والأسمدة المطورة.
وحسب برنامج الأغذية العالمي، أدت مجموعة من العوامل
إلى زيادة انعدام الأمن الغذائي. وتشمل هذه العوامل الفيضانات الموسمية الغزيرة التي
حدثت مؤخرا والارتفاع في أسعار الغذاء وضعف دخل الأسر الفقيرة ومشكلات الطاقة. وهو
ما علق عليه جمال بقوله: "هذا صحيح لاسيما في السند حيث أشارت الدراسات إلى حالة
الأمن الغذائي السيئة للأسر والحالة المتردية للتغذية".
· سوء التغذية
أشارت إدارة التخطيط في السند إلى أن انعدام الأمن
الغذائي في ثاني أغنى إقليم في البلاد يعد الأسوأ من نوعه في البلاد. فمن بين 23 مقاطعة
تم تحديد 7 مقاطعات تعيش ظروفاً "متردية للغاية" في ما يخص إمكانية الحصول
على الغذاء. ويتضرر من ذلك النساء والأطفال على نحو خاص. وخلال السنوات العشر الماضية
انخفض عدد المقاطعات التي تتمتع بفائض في الإنتاج الغذائي من 11 إلى 6 مقاطعات.
وأشار تقرير إدارة التخطيط والتنمية إلى أن 49,9 بالمائة
من الأطفال دون سن الخامسة في الإقليم دون الطول المتوقع مقارنة بعمرهم في حين أن العدل
القومي يبلغ 43,7 بالمائة. كما يعاني حوالي 40 بالمائة من الأطفال من نقص الوزن في
حين يعاني 17,5 بالمائة من الهزال. ويتركز الضرر بشكل كبير بين الأسر الفقيرة.
وحسب سوراني، فإن "الأطفال يشكلون أكثر الفئات
تعرضاً للضرر. ففي معظم الأوقات يتم تعطيل أنماط الرضاعة الطبيعية ولا يتم إعطاء الأولوية
للأطفال الذين يتغذون على الأطعمة الصلبة وشبه الصلبة".
ويشكل هذا الوضع حالة مثيرة للقلق بالنسبة لمنظمات
الإغاثة. حيث قال أفضال بالوتش، وهو موظف في مؤسسة عيدي الخيرية: "نشاهد الجوع
كل يوم تقريبا عندما نخرج إلى الحقول". مشيراً إلى أن الجوع يشكل الآن "مصدر
القلق الرئيسي" لأعداد متزايدة من الأسر في أنحاء إقليم السند.
· عوامل
ثقافية
لتغذية النساء أيضا دور تلعبه في الصحة العامة للأسر
ونوعية الغذاء الذي يحصل عليه الأطفال. حيث قال شيرشاه سيد، مؤسس منتدى الصحة الوطنية،
وهي منظمة غير حكومية تعمل من أجل صحة النساء، أن "الأمهات اللائي يعانين من سوء
التغذية لا يمكنهن ببساطة أن ينجبن أطفال أصحاء".
وأضاف أن "الهيكل الأبوي للمجتمع الذي لا تأكل
فيه النساء والأطفال إلا بعد أن يأكل الرجال ساهم في المشكلة". وهذا معناه أن
النساء غالبا ما يحصلن على أقل كميات من الطعام، خاصة وأن العديد منهن يفضلن ترك ما
في وسعهن لأطفالهن".
وهو ما علقت عليه عبيده بيبي، التي تعيش خارج كراتشي،
بقولها: "لم أحصل أبدا على ما يكفي من طعام. لدى ستة أطفال، أصغرهم عمره ثلاثة
أشهر فقط ولا أستطيع أن أرى أحداً منهم يشعر بالجوع، حتى إذا كان ذلك يعني أن آكل أنا
كمية قليلة".
كما أن الخدمات الصحية المتردية- حيث لا يحصل حوالي
38 بالمائة من النساء على أية رعاية أثناء الحمل- تساهم أيضا في مشكلات التغذية، حسب
تقرير حكومة السند أيضا.
0 التعليقات:
إرسال تعليق