أفغانستان ليست سويسرا!

أفغانستان ليست سويسرا !
"لا يمكن انتظار تحول أفغانستان إلى سويسرا وسط آسيا لسحب الجنود الألمان، ومن يظن أن بالإمكان نشر المعايير الأوروبية في الهندكوش واهم جداً".
هذا الكلام المختصر لوزير خارجية ألمانيا غيدو فيستر فيله يعبر أفضل تعبير عن فشل قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة في تحقيق أهدافها من غزو أفغانستان، تحت عنوان الحرب على الإرهاب، التي قامت بها إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 التي ضربت برجي التجارة العالمية في نيويورك، ومقر البنتاغون في واشنطن، والتي تحل ذكراها بعد أيام.
غير أن المسألة ليست في جوهرها، الفشل في تحويل أفغانستان إلى سويسرا، وإنما تكمن في إخفاق قوات الناتو في إخضاع الشعب الأفغاني وكسر مقاومته على مدى نحو 12 عاماً من الحرب التي بدأت عام 2001، وهي أطول حرب استعمارية تخوضها الولايات المتحدة وحلفائها خارج حدود دول الحلف، الأمر يظهر بوضوح حجم الهزيمة المدوية التي مني بها المشروع الغربي في تحويل أفغانستان إلى قاعدة لحلف الناتو لبسط وتكريس سيطرته على آسيا الوسطى وفرض الحصار البري على إيران من خاصرتها الأفغانية والآسيوية، ولإثارة المشاكل والقلاقل في الصين وروسيا من حدودهما الأفغانية.
هذه النتيجة التي بلغتها حرب الناتو في أفغانستان سيكون وقعها كبيراً مع كل يوم يقترب فيه مشهد الرحيل المذل من أفغانستان، والذي تسعى واشنطن جاهدة لكي لا يكون على غرار ما حصل لقواتها خلال انسحابها المهين من فيتنام الجنوبية.
ولهذا قررت عقد مفاوضات مباشرة مع ممثلين من حركة طالبان للتوصل إلى اتفاق على تأمين انسحاب آمن للقوات المتبقية من حلف الناتو في عام 2014 ومحاولة الإبقاء على وجود للقوات الأميركية تحت عنوان مدربين ومستشارين عسكريين.
غير أن المؤشرات على الأرض تشير إلى أن الولايات المتحدة التي كانت ترفض الاعتراف بحركة طالبان وتعمل على محاولة شق صفوفها بين معتدلين ومتطرفين اضطرت أخيرًا للاعتراف بها والتخلي عن المراهنة على الاستمرار بهذه السياسة غير المجدية، ولذلك فإن حركة طالبان تجد نفسها اليوم تفاوض من موقع قوة وتملك القدرة على فرض شروطها، فمن يحتاج إلى حفظ ماء الوجه، ومخرج للانسحاب الآمن هو الولايات المتحدة وحلفاؤها، فيما نظام حكم قرضاي الذي يعتمد في وجوده على القوات الغربية سيجد نفسه في وضع صعب بعد انسحاب هذه القوات، ولهذا فهو مستعد لتقديم التنازلات التي تؤمن له البقاء في إطار صيغة للحكم تشارك فيها طالبان، لكن هل تقبل طالبان القوية في الميدان بهذا الحل، أم أنها ستصر كما في السابق على رحيل القوات الأجنبية أولاً، ودون قيد ولا شرط.
هذا الواقع يترافق مع تطورات ميدانية نتيجة اشتداد ضربات المقاومة ضد القوات المحتلة مما ضاعف من حجم المأزق الذي باتت فيه قوات دول الناتو، والتي لم تنتظر أو تعلم أنها ستصل إلى مرحلة تصبح فيها متفرقة، وتسعى كل دولة إلى البحث عن سبل تخليص نفسها من ورطة الحرب المهلكة، وبالتالي الخروج من المستنقع الذي غرقت فيه، بعدما بات الاستمرار فيه مكلفاً جداً، من دون أن يكون هناك بالأفق بصيص أمل في استعادة زمام المبادرة والانتصار على المقاومة الأفغانية، في هذه الحرب الأكثر كلفة في تاريخ الحروب الغربية.
واللافت، أنه على عكس ما حصل في العراق، حيث كانت القوات الأميركية آخر من انسحب من هناك، سارعت إدارة أوباما مؤخراً إلى اتخاذ قرار بسحب عدد كبير من القوات الأميركية قبل الموعد المحدد للانسحاب والمتفق عليه مع دول حلف الناتو في أفغانستان، وقررت واشنطن بدءاً من نوفمبر المقبل خفض عدد قواتها دون الـ 34 ألف، بعد أن كانت قد قلصت العدد إلى خمسين ألفا، فيما كان القرار أن يتم هذا في عام 2014، وهذا يعني أن واشنطن تسرع الخطى باتجاه سحب أكبر عدد من قواتها قبل حلول العام المقبل، ومن دون التنسيق مع حلفائها، الأمر الذي يعكس:
أولاً: حالة الارتباك والتشرذم والتشتت السائدة بين قوات حلف الناتو، التي باتت تفتقد للتعاون والتنسيق فيما بينها، فهي دخلت إلى أفغانستان موحدة تحت قيادة الجيش الأميركي، غير أنها اليوم، وبعد نحو 12 عاماً على حربها في أفغانستان، أصبحت تفتقد للتنسيق فيما بينها، فالقيادة العسكرية الأميركية تتخذ قرارات الانسحاب أو شن العمليات العسكرية من دون التنسيق مع حلفائها من القوات الموجودة، أو من دون إعلامها بذلك كي تأخذ الحيطة، وتكون الخطوات المتخذة في سياق خطة منسقة حتى لا تؤثر على أداء القوات الأطلسية، وهو ما أثار حفيظة القوات الألمانية المتواجدة في الشمال في قندز.
ثانياً: سيادة مناخ عام لدى القيادة الأميركية، والدول الحليفة لها، من اليأس والإحباط وفقدان العزم على مواصلة حرب لا فائدة منها، في وقت لم تعد تقوى فيه على تحمل أعبائها المادية والبشرية، وهذا ما يدفع كل دول الناتو الأخرى، كل لحساباته، لا سيما فرنسا الغارقة في أزمة اقتصادية ومالية متفاقمة، وألمانيا التي لم تشارك أصلا بإعمال قتالية، إلى المسارعة لسحب قواتها الموجودة قبل نهاية العام الجاري، طالما أن القوات الأميركية أوجدت سابقة في ذلك.
ثالثاً: إذا كان الانسحاب يترافق مع الفشل في تحقيق أهداف الحرب المعلنة، وغير المعلنة، سيؤدي إلى آثار سلبية على الولايات المتحدة وحلف الناتو، وفي مقدمتها إضعاف نفوذ وهيبة أميركا على الساحة الدولية، ويظهر كم أنها باتت في وضع ضعيف وغير قادرة، بكل جيوشها المدججة بأحدث الأسلحة والتقنيات العسكرية، على فرض مشيئتها على شعب لا يملك من الإمكانيات سوى إرادة المقاومة ووسائل عسكرية متواضعة لرفض الاحتلال والاستعمار. فإن انسحابها بهذه الطريقة غير المنظمة سوف يقود إلى مزيد من المضاعفات السلبية على القوات المتبقية في أفغانستان، ويجعلها في وضع قتالي سيئ يؤثر سلبا على معنوياتها، الأمر الذي يوفر الفرصة للمقاومة الأفغانية لزيادة منسوب هجماتها ضد هذه القوات لإجبارها على الرحيل عن أفغانستان، مما يضعف موقف واشنطن التفاوضي لتأمين خروج يحفظ ماء وجهها.
ويؤشر ذلك إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لم تتعظ من دروس حرب فيتنام، فهي اليوم عالقة بين العمل على الانسحاب من أفغانستان من جهة، وبين وهم إمكانية الإبقاء على نفوذ لها وتحقيق بعض أهدافها عبر المفاوضات مع طالبان من جهة ثانية.
لكنها نسيت قاعدة أساسية في الحرب وهي أن من عجز عن تحقيق أهدافه بالقوة لا يمكنه بلوغ هذه الأهداف عبر المفاوضات، في وقت فقد فيه القدرة على مواصلة الحرب، وبات في وضع من يحتاج فيه إلى مساعدة طالبان لتوفر له انسحاباً غير مذل.

حسين عطوي - "الوطن" القطرية

0 التعليقات:

إرسال تعليق