العلاقات الهندية-الأميركية.. أسباب التوتر

العلاقات الهندية-الأميركية.. أسباب التوتر
د.ذِكْرُ الرحمن
تربط الهند والولايات المتحدة علاقات دافئة، ولكن معاملة الولايات المتحدة السيئة هذا الأسبوع لأحد الدبلوماسيين الهنود لم تتسبب فقط في توتر العلاقات، لكنها جعلت نيودلهي تواجه واشنطن.
فقد كبلت السيدة ديفاني خوبر أجادي، وهي دبلوماسية رفيعة المستوى تعمل لدى القنصلية الهندية في الولايات المتحدة، بالأغلال من قبل الشرطة بأحد شوارع نيويورك وتم تجريدها من ملابسها لتفتيشها ذاتياً قبل أن يلقى بها في السجن لمدة ست ساعات مع المجرمين ومدمني المخدرات لتخرج، بعد ذلك بكفالة قدرها250 ألف دولار. وقد وجهت نيابة الولايات المتحدة للدبلوماسية الهندية - التي تتقاضى راتباً قدره 4500 دولار يساوي راتب شهر تتقاضاه مديرة منزلها الهندية "جيتا ريتشارد" - بالاحتيال للحصول على تأشيرة دخول والإدلاء بتصريحات كاذبة عن الأجر الذي تدفعه لمديرة منزلها، حيث قالت النيابة إنها تدفع لمديرة منزلها 30 ألف روبية، أو 480 دولاراً شهرياً، وهو ثلاثة أضعاف الراتب الذي تحصل عليه الخادمة في الهند، لكنه أقل بثلاثة أضعاف من الحد الأدنى للأجور في الولايات المتحدة.
وقد دفعت الدبلوماسية الهندية ببراءتها من تهمة الاحتيال فيما يتعلق بالتأشيرة والإدلاء بأقوال كاذبة، لأنها أعلنت في الوقت الذي حصلت فيه على تأشيرتها وتأشيرة خادمتها عن راتبها الذي يشمل أجر خادمتها أيضاً. لكنها الآن تواجه حكماً بالسجن لمدة 15 عاماً، إذا ثبتت إدانتها. وقد شهدت القصة بأكملها تحركاً سريعاً من قبل الهند التي عارضت الولايات المتحدة، لأنها لم تقبل الحصانة الدبلوماسية فيما يتعلق بتصرف المسئولة الدبلوماسية مع تزايد الغضب إزاء المعاملة التي لاقتها السيدة "أجادي".
وقد أصبحت السيدة "خوبر أجادي"، التي تعد من النخبة العاملة بالخدمة الخارجية الهندية، وهي أيضاً ابنة أحد كبار المسئولين في الهند، آخر الدبلوماسيين الهنود الذين يعارضون القانون الأميركي، عندما أخذت خادمة لتعمل كمديرة منزل وجليسة أطفال في مسكنها الكائن في "أبر ايست سايد".
وفي مناسبتين قبل ذلك، تم توجيه الاتهام لعدد من كبار الدبلوماسيين الهنود، ممن هرب خدامهم الهنود بحثا عن وظائف بالخارج، لعدم دفع رواتب كافية لهم، ولكنهم سمح لهم مؤخراً بمغادرة الولايات المتحدة.
وفي إطار المعاملة بالمثل، اتخذت الهند إجراءات فورية لإلغاء سلسلة من الامتيازات الخاصة للدبلوماسيين الأميركيين في الهند، مثل منع عدد كبير من المسئولين الأميركيين من الوصول للمطار عبر الجسر الجوي، وعدم السماح بكميات كبيرة من الخمور المعفاة من الرسوم الجمركية، إلى جانب إزالة كتل خرسانية تمتد عبر الطريق أمام السفارة وتفضي إلى بوابات المبنى، والتي كانت تعرقل طريقاً بأكمله في نيودلهي. وقد فوجئت وزارة الخارجية الأميركية بمدى غضب الهند جراء الطريقة التي عومل بها ممثل الحكومة الهندية في مخالفة للقواعد الدبلوماسية المتفق عليها.
إن تأكيد الهند لذاتها كثالث أكبر اقتصاديات آسيا نمواً ليس جديداً. فقد تجلى ذلك خلال مفاوضات منظمة التجارة العالمية التي عقدت في بالي بإندونيسيا، حيث لم تكن الولايات المتحدة سعيدة على الإطلاق بسبب عدم مرونة الهند حول موقفها من السماح لها بزيادة الإعانات الزراعية، قائلة إنها مسألة تتعلق بالأمن الغذائي لملايين من الفقراء. وقد أصرت الولايات المتحدة وأشارت إلى أن ذلك يخالف قواعد المنظمة، وأنه سيؤثر على الأسواق الإقليمية.
وقد أظهرت قضية الدبلوماسية الهندية أن الهند قادرة على تنفيذ ما تقول. فهي لم تعد دولة هامشية، ولكن دولة راغبة في تولي المسؤولية كأقوى دولة في العالم والدفاع عن حقوقها. هذه القصة، خاصة الخطوة التي اتخذتها الولايات المتحدة، تثير الحيرة لأن الدولتين تتمتعان بعلاقات دافئة مع تبادل متكرر للزيارات بين المسئولين رفيعي المستوى إلى جانب علاقات تجارية متنامية. كما تنامت العلاقات بين البلدين في مجال الدفاع، حيث حاولت الهند تنويع مصادر مشتريات الدفاع الخاصة بها من روسيا، حليفتها منذ أيام الحرب الباردة. وفي الواقع، فقد كانت وكيلة وزارة الخارجية الهندية "سوجاتا سينج"، قد انتهت لتوها من جولة مباحثات مع نظيرها الأميركي في واشنطن عندما حدثت واقعة الاعتقال.
وقد تأجج الغضب في الهند، ولا سيما في السلك الدبلوماسي، حول الطريقة التي تم التعامل بها مع المسئولة الدبلوماسية. ومن جانبه، وصف مستشار الأمن القومي «شيف شانكار مينون»، الذي احترف العمل كدبلوماسي، المعاملة التي لاقتها الدبلوماسية الهندية - 39 عاما - بأنها «همجية»، بينما وصفها رئيس وزراء الهند مانموهان سنج بأنها «تبعث على الأسى» في أكبر إدانة للتصرف الأميركي.
وعلى الرغم من أن الحكومة الهندية قد نقلت الدبلوماسية الهندية موضع القضية من القنصلية العامة إلى بعثة الهند الدائمة في الأمم المتحدة بنيويورك، إلا أن السلطات الأميركية تبدو وكأنها لا تقبل بنقلها، ولم تعد إليها جواز سفرها، وتصر على متابعة القضية. وكشأن خارجي، ذكر وزير الخارجية الهندي سلمان خورشيد أن الأمر لم يعد "فردياً، إنه يتعلق بإحساسنا بذاتنا كأمة ومكانتنا في العالم."
وقد زعم الهند أن هذه الواقعة ما هي إلا مؤامرة لأن السفارة الأميركية في الهند منحت تأشيرة لأسرة الخادمة على الرغم من أن الاتصال الكتابي للحكومة الهندية الذي يفيد بأن الخادمة قد هربت من منزل المسئولة الدبلوماسية الهندية، وطلبت منهم البحث عنها وإعادتها إلى الهند. ومما يدعو إلى الدهشة أن السفارة الأميركية لم تمنح فقط تأشيرة دخول لأسرة الخادمة، لكنها أيضاً ساعدتها على المغادرة والذهاب إلى الولايات المتحدة قبل يومين فقط من إلقاء القبض على المسئولة الدبلوماسية. ومن ناحيته، يقول الجانب الأميركي إن أسرة الخادمة قد تم إجلاؤها لضمان سلامتها، لكن الجانب الهندي يعتقد بأن هناك ما هو أكثر من ذلك.

في حين أن القضية قد لا تستمر لوقت طويل وتؤدي إلى إفساد العلاقات، إلا أنها خلقت غضباً وشعوراً بعدم الثقة في الأميركيين بين الشباب والكثير من الدبلوماسيين الهنود الناشئين.

0 التعليقات:

إرسال تعليق