الإستراتيجية السعودية تشمل التحالف مع باكستان

الإستراتيجية السعودية تشمل التحالف مع باكستان
كتبت مضاوى الرشيد، أستاذ زائر فى مركز الشرق الأوسط فى كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، مقالا نشر بموقع المونيتور عن شراكة محتملة للسعودية مع باكستان وذلك للحصول على حليف غير عربى للحفاظ على هيمنتها فى العالم العربى.
تستهل الكاتبة المقال بالإشارة إلى احتفاء وزير الخارجية السعودى بـ«العلاقات التاريخية عميقة الجذور بين البلدين الإسلاميين»، أثناء زيارته لباكستان فى السادس من يناير، ووعد باجتماعات التشاور المنتظم بشأن القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك. وهناك حاجة شديدة إلى الوعد بالاستثمارات السعودية، إلى جانب تحويلات 1.5 مليون باكستانى يعملون فى المملكة العربية السعودية.
وتشير الكاتبة إلى أن المملكة العربية السعودية ترى أن هيمنتها فى العالم العربى يمكن أن تستفيد من العلاقة الوثيقة والتشاور مع باكستان. وربما يظن بعض المراقبين أن نية السعودية إقامة قوة خليجية مركزها الرياض من أجل غرض واحد هو احتواء إيران بما يكون السبب الرئيس لزيارة فيصل إلى إسلام أباد. لكن هذا ليس هو السبب الوحيد. فمساعدة باكستان العسكرية ليست جديدة على السعودية أو بقية دول الخليج. وهى قد تكون موثوقا بها، ومطيعة، وأقل إثارة للجدل، وأرخص من المساعدة الآتية من مصادر أخرى. وعلاوة على ذلك فهى تعاقدية صرفة وتخلو من الخيوط السياسية المتصلة غالبا بالمساعدة العسكرية.
وتضيف مضاوى، مع ذلك فربما تسعى السعودية إلى الحصول على المساعدة الأمنية الباكستانية من أجل التهديدات الداخلية وليس الخارجية. فبما أن باكستان تشترك فى الدين الإسلامي مع شركائها السعوديين، فمن الممكن نشر القوات الباكستانية فى المواقع الدينية دون انتقاد النظام السعودى بدعوة الكفار للدفاع على الحرمين الشريفين. وتحتاج باكستان إلى الدخل ولديها القوة العاملة والخبرة، بينما يمكن التأكيد للسعودية ألا تدمر أجندة باكستانية خفية أو مشروعات منافسة هذه العلاقة. فهى يمكنها الاعتماد على الجنود الباكستانيين فى أوقات الأزمة، خاصة الأزمات الداخلية. لكن ليس من المرجح أن تقدم باكستان مساعدة كبيرة فى حالة وقوع مواجهة سعودية إيرانية فى المستقبل، الأمر غير المرجح إلى حد كبير فى الوقت الراهن.
وتوضح الكاتبة أن الشراكة مع باكستان تلبى السعى التاريخى السعودى للحصول على حليف غير عربى للحفاظ على هيمنتها فى العالم العربى والتعامل مع تحدياتها الأمنية الداخلية. ومن المفارقة أن كلا من الهيمنة فى العالم العربى والتعامل مع الأزمات الداخلية يمكن خدمتها بشكل أفضل نتيجة للصلات الوثيقة مع غير العرب. وفى شمال إفريقيا، كانت مصر والمغرب حليفين سعوديين محتملين وحقيقيين. وحاولت السعودية دمج المغرب فى مجلس التعاون الخليجى كعضو مميز غير خليجى، لكن لكن دول الخليج قاومت ذلك ولم يعبر المغرب نفسه عن تحمسه لذلك.
وترى الكاتبة أنه حتى إذا استقرت مصر فى ظل حكومة جديدة، فهى تظل متقلبة ومحكوم عليها بالانشغال بمشكلاتها الداخلية لوقت طويل. ومن المنظور السعودى، تظل مصر بلدا يعتمد على المساعدات السعودية، وينبغى أن يظل كذلك. فمصر القوية والمستقرة وهو تطور غير محتمل على المدى القصير من المؤكد أن تكون منافسا، لمجرد دورها التاريخى وارتباطها بالكثير من القضايا العربية. وواقع الأمر أن السعودية تكون أكثر ارتياحا مع مصر الدولة التابعة التى تعتمد على الدعم السعودى وليس الشريك المستقل الذى له طموحاته.
وترى الكاتبة أن السعودية غازلت العراق فى عهد صدام لمجرد إنقاذ الخليج من التوسع الثورى الإيرانى، لكن العراق لم تثق قط فى الشريك السعودى. ولكى نفهم هذا، لابد من تجاوز ابتذال الانقسامات الطائفية. فحتى إذا كان العراق سنيا فى أغلبه، ما كانت السعودية لتشعر بالراحة فى سعيها للشراكة مع هذا البلد. فلم يحدث فى ظل الممالك الهاشمية السنية ببغداد ولا فى عهد صدام أن استطاعت السعودية التغلب على خوفها من مركز قوة منافس به جيش ضخم يمكن أن تكون له السيادة ويفكر فى مشروعات عظيمة لتوحيد العرب تحت قيادته. وقد قضى الغزو الأمريكى على تهديد مشروعات صدام القومية العربية العظيمة وأحل محلها تهديدا مختلفا.
وكما هو حال مصر، يمثل العراق منافسا تاريخيا بما لديه من موارد طبيعية وبشرية. وقد حولت السعودية مصر إلى دولة تابعة وعادت العراق ما يزيد على العشر سنوات. وكلاهما لا يمكن الثقة فيه كشريك سعودى، حيث إنهما يمثلان ما تريد السعودية إزالته واستبداله فى المنطقة.
تبقى الشراكة السعودية مع الأردن، وهو بلد ابتلى بمشكلات اقتصادية خطيرة ويعتمد على المساعدات السعودية. والأردن فى ظل قيادته الحالية لا يهدد السعودية، ومن ثم تشعر أنه من الممكن الحفاظ على التعاون العسكرى والأمنى دون تهديد بالمنافسة، ذلك أن اهتمام الأردن الأساسى هو وجوده باعتباره منطقة عازلة بين إسرائيل والجيران العرب المتقلبين. ولذلك فمن غير المرجح أن يمثل تحديا للسعودية. ويمكن للسعودية استغلال ثروتها لإبقاء الأردن تحت سيطرتها دون احتمال ادعاء قيادة منافسة بتمثيل شيء غير ما هى عليه بالفعل فى المنطقة العربية. ومع ذلك الأردن أصغر من أن تعتمد عليه السعودية «عسكريا».
وتشير الكاتبة إلى أن المنافسة التاريخية مع العديد من البلدان العربية دفعت المملكة العربية السعودية للسعى إلى علاقات وثيقة مع شريك غير عربى قوى عسكريا لكنه ضعيف اقتصاديا. فالسعودية يمكنها تقديم مواردها الاقتصادية والوعود بالاستثمار مقابل التعاون العسكرى والأمنى. ويبدو أن باكستان الاختيار المثالى. فهى ليست عربية ولن تنافس السعودية بحال من الأحوال فى المنطقة العربية. فباكستان على عكس تركيا، المتشابك ماضيها وحاضرها بشكل كبير مع جيرانها العرب. إذ تخشى السعودية طموحات تركيا، ولابد أنها سعيدة جدا برؤية حكومتها تركز فى الوقت الراهن على مشكلاتها الداخلية، من المظاهرات إلى قضايا الفساد. وكشأن السعودية، لدى تركيا تحديات أمنية خطيرة فى كل من سوريا والعراق، لكن من غير المرجح أن تخضع لأجندة سعودية لا تتوافق مع مصالحها. ويمكن للسعودية وتركيا أن تعملا معا فيما يتعلق بقضايا محددة، على سبيل المثال الملف السورى، لكنهما لا يمكن أن يكونا شريكين طويلي المدى على النمط السعودى الباكستانى.
إن باكستان هى ذلك الآخر البعيد، الذى هو قريب لكنه بعيد على نحو يبعث على الارتياح. فمن المنظور السعودى ربما تكون باكستان الشريك المثالى. ذلك الشريك الذى لا يتحدى الدور السعودى فى المنطقة العربية لكنه يمكن أن يعزز نفوذها فى أنحاء العالم الإسلامى. وعلى عكس الآخرين، يمكن استخدام وكالات الأمن وحفظ النظام الباكستانية فى المملكة العربية السعودية للتعامل مع المشكلات الداخلية، بينما سيكون العربى باستمرار إشكاليين ويتسمون بالمخاطرة. ويبدو أن تجديد الشراكة مع باكستان ضرورية فى المملكة العربية السعودية توقعا للتهديدات الداخلية وليس من أجل المشكلة الإيرانية التى كثر الحديث عنها.

وتختتم الكاتبة المقال بقولها، يبقى السبب المنطقى وراء أساس العلاقة بين البلدين هو الإسلام، على الرغم من الاختلافات الخطيرة فى الحكم والمجتمع والنظرة الدينية. وكلا البلدين يحتاج كل منهما إلى الآخر لأسباب مختلفة، لكن «العلاقات التاريخية عميقة الجذور». بينهما قائمة فى سياق جديد. ومن غير المرجح أن تخاطر باكستان بالدخول فى صراع مع إيران كما فعل صدام فى الثمانينيات. فباكستان لديها هموم أمنية خطيرة ومن غير المرجح أن تعادى إيران. وعلاوة على ذلك تظل باكستان والسعودية داخل مجال النفوذ الأمريكى، على الرغم من أن علاقاتهما مع الولايات المتحدة ربما تبدو متوترة أحيانا.

1 التعليقات:

  1. الإستراتيجية السعودية تشمل التحالف مع باكستان

    ردحذف