تلقى الشعب الباكستاني
الذي يعاني أصلا من نقص في خدمات الكهرباء ومشاكل في التزود بالوقود تحذيرًا من الحكومة
بأن هناك أزمة جديدة تتعلق بنقص مرتقب في المياه. وقال وزير المياه والطاقة خواجة محمد
آصف إن تغير المناخ العالمي والنفايات المحلية وسوء الإدارة أدت إلى حدوث نضوب سريع
ومسبب للقلق في إمدادات المياه في البلاد. وأضاف خلال مؤتمر صحافي عقده في مدينة لاهور:
«في ظل الوضع الراهن، ربما تصبح باكستان، خلال ستة إلى سبعة أعوام قادمة، دولة عطشى».
ويعد احتمال حدوث
أزمة مياه في باكستان، حتى لو كانت بعد سنوات طويلة، تذكيرا بالتحدي المتصاعد الذي
تواجهه دول أخرى فقيرة ومكتظة بالسكان تتعرض لتغير المناخ العالمي. ويعد هذا تحديًا
آخر لرئيس الوزراء نواز شريف، الذي يتعرض أصلا إلى انتقادات حادة بسبب فشل حكومته في
القضاء على أزمة الكهرباء. وفي بعض المناطق الريفية لا تزيد مدة التيار الكهربائي عن
أربع ساعات يوميا، وذلك في إطار خطة «الترشيد» المتبعة من السلطات.
وكان آصف ذكر في
إحدى المقابلات أن الحكومة بدأت تسيطر على أزمة الكهرباء، وتوقع عودة التيار إلى طبيعته
بحلول عام 2017، لكن خبراء الطاقة أعربوا عن عدم ثقتهم في إمكانية حدوث مثل هذه النقلة،
بالنظر إلى مدى طول وتعقد المشكلة.
وتلوح في الأفق
حاليا أزمة إمدادات المياه باعتبارها أحد التحديات التي تعاني منها الموارد، وزادت
من حدتها مشاكل البنية التحتية والإدارية الدائمة في باكستان. فالزراعة تعد أحد الأعمدة
الرئيسية في الاقتصاد الباكستاني. ويغذي نهر السند الذي يبلغ طوله 2000 ميل وينبع من
جبال الهيمالايا ويسير على امتداد البلاد، شبكة واسعة من قنوات الري تروي حقولا تزرع
القمح والخضراوات والقطن، وكلها مصادر رئيسية للحصول على العملة الأجنبية. وفي الشمال،
تعتبر محطات الطاقة الكهرومائية حجر الزاوية لنظام الطاقة المتداعي.
ويقول الخبراء
إن ذوبان الأنهار الجليدية وقلة هطول الأمطار وسوء الإدارة المزمن من قبل الحكومات
المتعاقبة تسبب في مواجهة خطر التعرض لأزمة في إمدادات المياه. ووصف «بنك التنمية الآسيوي»،
في تقرير له نشر عام 2013. باكستان بأنها واحدة من أكثر الدول التي «تعاني من نقص في
المياه» على مستوى العالم، حيث يبلغ نصيب الفرد من المياه 1000 متر مكعب سنويا – وهو
أقل بمقدار خمسة أضعاف من المعدل المسجل في تاريخ استقلال البلاد عام 1947. وتقريبا
نفس المستوى الذي تعاني منه إثيوبيا التي يضربها الجفاف. ومن جانبه، قال برويز أمير،
مدير «الشراكة المائية في باكستان»: «إنه وضع خطير للغاية. أشعر أنه سيكون أكثر خطورة
من أزمة نقص النفط التي وقعت مؤخرًا».
وأصبح نقص الموارد
يحتل المكانة الأولى في جدول أعمال الشؤون السياسية خلال السنوات الأخيرة. وتسبب نقص
الوقود الشهر الماضي، في بروز طوابير طويلة أمام محطات الوقود أدت لإحراج الحكومة في
وقت انخفضت فيه أسعار النفط عالميًا. ومن جانبهم حمل مسئولون حكوميون مسؤولية نقص الوقود
إلى سوء إدارة شركة النفط الوطنية.
وتواجه حكومة نواز
شريف أصلا أزمة كهرباء تبدو مستعصية على الحل، وتتسبب في انقطاع التيار الكهربائي بشكل
منتظم لمدة 10 ساعة يوميا حتى في المدن الكبرى. ويبدو أن شريف تشتت انتباهه بشكل واضح
بفعل الخلافات السياسية الشديدة، سواء تلك الناشئة مع السياسي المعارض عمران خان، الذي
يتهمه بسرقة انتخابات عام 2013، أو مع القادة العسكريين النافذين الذين قوضوا نفوذه
في مناطق رئيسية.
وقال وزير المياه
والطاقة آصف إن الحكومة بدأت في التحول نحو الأفضل، إلا أنه اعترف أن مشاكل النقص في
الموارد التي تعاني منها البلاد تعتبر مزمنة إلى حد كبير. وأضاف: «نعاني من عادة الإسراف
على مستوى البلاد»، وأشار إلى أن «هذا الإسراف يمتد عبر جميع المجالات بما في ذلك الغاز
أو الكهرباء أو المياه. سأكون حذرا جدا حتى لا أستخدم كلمة جفاف، لكننا نعاني من شح
في المياه في الوقت الراهن، ونتحول ببطء إلى دولة عطشى».
بات الدليل على
النقص المزمن في المياه واضحا على شكل مؤلم في بعض أجزاء من باكستان خلال السنوات الأخيرة.
فقد تسبب الجفاف الناجم عن عدم انتظام سقوط الأمطار في ثارباركار، وهي منطقة صحراوية
في جنوب إقليم السند، في حدوث أزمة إنسانية في المنطقة خلال العام الماضي. وقال أمير
مدير «الشراكة المائية في باكستان» إن «معدل تساقط الأمطار الموسمية انخفض بشكل حاد،
وهذا يعني مزيدا من الضغط على المياه، وخصوصا في فصل الشتاء».
كما أن موضوع المياه
مرتبط بالسياسة القومية في البلاد. وظلت التيارات المحافظة المتدينة والمتشددون لمدة
سنوات يتهمون منافستهم الهند، التي ينبع منها نهر السند، بالوقوف وراء أزمة إمدادات
المياه في باكستان. وكان حافظ سعيد، زعيم جماعة «عسكر طيبة» المتهمة بالضلوع في هجمات
2008 في بومباي بالهند، ينتقد بانتظام «الإرهاب المائي» الهندي خلال المظاهرات العامة.
وقال آصف إنه خلافا لتلك المزاعم، لم تقم الهند ببناء خزانات على الأنهار التي تصب
في باكستان. وأضاف: «لن نسمح بحدوث ذلك»، مشيرا إلى معاهدة مياه نهر السند، وهي عبارة
عن اتفاق بين البلدين تم بوساطة من البنك الدولي وتم توقيعه في الستينات من القرن الماضي.
ويتحدث خبراء عن وجود متهم رئيسي في أزمة المياه التي تلوح في الأفق في باكستان، هو
عدم كفاية مرافق تخزين المياه في البلاد. قال أمير: «يتم في الهند تخزين نحو ثلث إمدادات
المياه في خزانات، مقارنة بنسبة 9 في المائة فقط في باكستان». وأضاف: «كان آخر سد بنيناه
منذ 46 عاما. بينما شيدت الهند أربعة آلاف سد وجاري تشييد 1500 أخرى».
ويقول خبراء إن
السياسات الفوضوية التي تعم البلاد تضر بصورتها أمام الجهات المانحة الغربية التي قد
تساعد على التخفيف من حدة أزمات الموارد المتصاعدة.
0 التعليقات:
إرسال تعليق