أفغانستان.. عودة طالبان


أفغانستان.. عودة طالبان
أكدت واشنطن أن الجيش الأمريكي الذي هو عماد قوات الاحتلال في أفغانستان، سينسحب نهائيا خلال سنة 2014 منهيا 13 سنة من التدخل. حيث تم احتلال البلاد في 2001 بدعوى عدم تسليم نظام طالبان (= طلاب العلم) الشيخ أسامة بن لادن الذي 'اتضح' فيما بعد أنه في باكستان حيث اغتيل. وفي نفس الوقت أعلنت حكومة قطر أن طالبان ستفتح مكتبا في الدوحة ولا تعرف طبيعة هذا المكتب هل هي دبلوماسية أم مخابراتية وهو الأرجح. وكان الشيخ أحمد ال ثاني رئيس المخابرات القطرية قد فتح حوارا مع قيادة طالبان منذ ظهر أن الحل العسكري في أفغانستان مآله الفشل، وأنه بخروج قوات حلف الناتو من البلاد ستعود طالبان إلى السيطرة على الوضع في أغلب مناطق أفغانستان باستثناء أقصى الشمال الأفغاني، وأن الأفضل استيعاب طالبان خصوصا أن المنطقة مقبلة على المشروع الاقتصادي الضخم مد أنابيب الغاز من الجمهوريات التي ظهرت بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، أوزبكستان، وتركستان، وطاجيكستان، المحصورة جغرافيا والتي لا منفذ بحريا لها إلا بمرور الأنابيب عن طريق أفغانستان نحو باكستان، أو تركيا عن طريق بحر قزوين، وهو المشروع الذي تصارعت شركات من الأرجنتين (شركة بريداس) وشركات واشنطن (شركة يونكال) عليه طويلا، وكاد أن ينطلق لولا التطورات التي عرفها العالم بعد سبتمبر 2001.
فتنمة أفغانستان
منذ 1978 تاريخ الانقلاب الذي قاده حزب الشعب الماركسي ضد حكم الرئيس محمد داوود خان وهو ابن عم آخر ملوك أفغانستان محمد ظاهر شاه الذي أطاح به انقلاب 1973 الذي تزعمه داوود خان وأفغانستان في قلب الأحداث العالمية.
لقد عانت أفغانستان من الحروب، والمشاكل الاقتصادية، وصعوبة الجغرافية، حتى سميت عند الجغرافيين سقف العالم لعلوها. وزاد من ذلك أن لا منفذ بحريا لها، كانت تسمى في بداية الفتوحات الإسلامية القرن الثالث الهجري خراسان وكانت أحيانا جزءا من إيران وأحيانا أخرى بعض أراضي إيران جزءا منها، وتارة جزء من الهند وهي الأراضي التي صارت الآن باكستان. وقد انتشر الإسلام في أفغانستان بمذهبه السني في الأغلب. رغم الجغرافية الإيرانية المجاورة.
ولكن أفغانستان بشعبها المؤمن، والقوي الشكيمة، لعبت الدور الأهم في نشر الإسلام في الهند، رغم مساحتها التي تتجاوز مساحة أفغانستان بعدة مرات وكذلك عدد سكانها، فمن عاصمة غزنة الصغيرة تمت الحملات الضخمة على يد السلطان 'محمود' طوال ثلاثين عاما 1000-1030، وتأسست الإمبراطورية الإسلامية الهندية على يد الأفغانيين في 1193، واستمرت إلى غاية 1887، وعادت أفغانستان إلى ضمورها التاريخي، حتى تأسست بكيانها الجغرافي الحالي في القرن 17. في شبه صمت ونسيان، إلى أن جاء جمال الدين الأفغاني ليذكر الجميع بأفكاره، التي هزت الشرق العربي، وبوجود بلد اسمه أفغانستان. إلا أن الإطلالة الحقيقية على العالم من طرف سقفه ستأتي بعد 1978، فسقوط النظام وصعود الحزب الماركسي للسلطة، في دولة كانت مجاورة للاتحاد السوفياتي (روسيا) والرفض الشعبي العام لنظام حزب الشعب، والتناحر بين أجنحته منح واشنطن الفرصة الثمينة:
أولا: لفتنمة القضية الأفغانية ضد الاتحاد السوفيتي، وإزالة ذكريات حرب فيتنام الأليمة من الذاكرة الأمريكية، وبانتصار عن طريق الأفغانيين، مثل انتصار السوفيت عن طريق الفيتناميين.
ثانيا: للإسراع بانهيار الاتحاد السوفيتي الذي كانت بوادر أزمته قد ظهرت للعيان، إلا أن 'فرحة' واشنطن بانهيار نظام أفغانستان، وانهيار الاتحاد السوفيتي لم تكتمل، فأفغانستان أنجبت مقاتلين من نوع آخر، انتقلوا فكريا وعسكريا من الجهاد الأصغر إلى الأكبر. على حد قولهم، ومن مرحلة التحالف المرحلي، والتقاء المصالح مرحليا مع واشنطن، قفزوا إلى مرحلة أخرى هي التي عبرت عنها أزمة 11 سبتمبر 2001 وتفاعلاتها الزلزالية على مستوى العالم ...
اليسار الأفغاني والانقلابات
بدأ التاريخ الحديث لأفغانستان (647497 كلم) بعد الحرب العالمية الأولى، إبان تجربة الملك أمان الله 1919-1928 الذي حاول تقليد تجربة كمال أتاتورك في تركيا، وخلعت زوجته 'ثريا' الحجاب (البرقع)، إلا أن ثورة ضخمة قادها سقاء ماء أرغمته على الفرار مع عائلته، فتولى الملك محمد نادر شاه 1929-1933 وبعده تولى الملك محمد ظاهر شاه 1933-1973، كان هذا الملك آخر ملوك أفغانستان، وعرفت عائلته صراعا بين جناحين، وقاد محمد داوود خان 1973-1978 انقلابا ضد ابن عمه الملك ظاهر شاه الذي كان أصدر قرارا بعدم توليته رئاسة الوزراء مرتين. كان داوود خان رجلا ذكيا حاول جمع قوى الشعب الأفغاني حوله من يسار ومن قوى محافظة، لكن الخلاف بينه وبين اليسار الأفغاني خصوصا بعد مقتل قياديين في حزب الشعب الذي كان له تأثير على الجيش أدى إلى انقلاب أبريل 1978 واغتيال محمد داوود خان لتضئ النجمة الحمراء في كابول (قبول). كانت المرحلة التاريخية لانقلاب اليسار الأفغاني، وتوليه السلطة في أفغانستان تتميز بصعود اليسار في العالم، وسيطرته الفكرية والثقافية وحتى السياسة في دول عديدة. والتفت المعسكر الغربي إلى أفغانستان لتبدأ الحرب الأهلية التي اشتعلت بين الفرقاء، والأحزاب، والجماعات الأفغانية، وفشل حزب الشعب وحزب الراية اليساريان في الحكم وازداد الصراع بعد تسلم السلطة، واغتيل محمد نور طره قي رئيس الدولة والأمين العام للحزب في 1979، واغتيل كذلك حفيظ الله أمين الذي تولى المنصبين في نفس السنة، وتولى بابراك كارمال الرئاسة حتى 1989، وسط حرب أهلية ضروس وكان الاتحاد السوفيتي قد تدخل في ديسمبر1979 عسكريا، وفقد خلال هذه الحرب 13500 قتيل وجرح 40000 مع خسائر بالملايير. وفقدت هذه الحرب شعبيتها داخل الاتحاد السوفيتي، وكان الانسحاب السوفيتي في 1988، مما عجل بانهيار المعسكر الاشتراكي فور نهاية الحرب الأفغانية.
بعد خروج الرئيس كارمال إلى المنفى تولى الدكتور نجيب الله رئيس المخابرات السابق رئاسة الدولة، وكانت المنظمات الإسلامية المعارضة على أبواب كابول، ولم تستطع الاتفاق على برنامج وطني، مما أدى إلى حرب جديدة بين الجماعات الإسلامية وأحزابها، وظهر فجأة تنظيم جديد في مدينة بيشاور الباكستانية، معقل البشتو ذوي الأغلبية السكانية في أفغانستان، وساهمت في إنشاء المخابرات الباكستانية، وأطلق هذا التنظيم على نفسه 'طالبان'، وتعني طلاب العلم أو طلاب المدارس الذين طردوا الجماعات الإسلامية المتناحرة نحو شمال أفغانستان، وتم إعدام نجيب الله بعد خصيه، وكان قد التجأ إلى مقر الأمم المتحدة. وبذلك انتهت تجربة الحكم الشيوعي لبلد إسلامي في أفغانستان، مثلما انتهت تجربة حزب توده الشيوعي الإيراني في حكم منطقة أذربيجان الإيرانية في 1945 بعد خروج جيش الاتحاد السوفيتي; ولم ينته الحكم الشيوعي في أفغانستان فقط، بل أدت تداعياته إلى انهيار الاتحاد السوفيتي، فلم تعد روسيا جارة لأفغانستان حيث ظهرت دول عديدة أصبحت تجاور أفغانستان: طاجيكستان، تركمنستان، أوزبكستان.
الجماعات الإسلامية
عرفت أفغانستان جماعات إسلامية مختلفة، منها حزب جماعة الإسلام بزعامة برهان الدين رباني وكانت تؤيده واشنطن، والحزب الإسلامي برئاسة قلب الدين حكمتيار وتسانده باكستان وكان يتزعمه عبد رب الرسول سياف، وحركة الثورة الإسلامية بزعامة نبي محمد وهو من مساندي النظام الملكي السابق، والاتحاد الوطني الإسلامي بزعامة جيلاني أحمد، وجبهة الإنقاذ الوطني بزعامة صبغة الله مجددي، والحزب الإسلامي الأفغاني بزعامة يونس خالص وترعاه السعودية. وكان أهم قائد عسكري أثناء المواجهة مع الاتحاد السوفيتي شاه مسعود الذي اغتيل في 10 سبتمبر 2001. (وقيل أنها إشارة لـ11 سبتمبر 2001) وهناك أحزاب الشيعة الذين يشكلون 15% من السكان، ولم يشاركوا بقوة أثناء مرحلة الصراع ضد الحكم اليساري، ولهم تنظيمات مثل حزب الشورى بزعامة بهشتي، والنصر، والحرس الثوري، وجماعة الإسلام، وهي قليلة النفوذ.
وكل هذه الأحزاب والجماعات قضي عليها من طرف طالبان بعد انتصارها في عام 1995 وتشكيلها حكومة طبقت الشريعة الإسلامية، كما تراها بزعامة الملا محمد عمر، إلا أن طالبان طردت من السلطة بعد التدخل الأمريكي وحلف شمال وارسو في 2001 حيث رفضت تسليم الشيخ أسامة بن لادن 'تنفيذا' لقرار مجلس الأمن، وتبين فيما بعد أن أسامة موجودا في باكستان.
وتجري حاليا مفاوضات في لندن برعاية رئيس وزراء بريطانيا في محاولة لتدجين طالبان، وإقناعها بقبول اقتسام السلطة مع باقي فرقاء الأزمة في أفغانستان، وعلى رأسهم الرئيس خليل زادا قرضاي (مهندس البترول السابق في إحدى الشركات الغربية، الذي جيء به أثناء مرحلة التفكير في خطوط البترول الغاز القادمة من دول الاتحاد السوفيتي السابق نحو بحر قزوين عبر تركيا أو عبر باكستان، والتي لا يمكنها المرور إلا عبر الأراضي الأفغانية) وقد يعني ذلك بداية مرحلة جديدة في أفغانستان تميزها عودة طالبان جديدة، إذا أمكن إقناعها بقبول اللعبة الدولية أو حرب جديدة-قديمة بين أمراء الحرب ومسانديهم في بلاد الأفغان.
عبد الله العلوي - كاتب ومحام مغربي
المصدر - صحيفة القدس العربي 

0 التعليقات:

إرسال تعليق