من محطة القطار إلى ساحة الجهاد


من محطة القطار إلى ساحة الجهاد
قصة يرويها : سمير حسين زعقوق
كان عبد الغني عزيز - الذي أنهي تعليمه الجامعي قبل وقت قصير- يري المقاومة الإسلامية في كشمير تتصاعد, وتذيق قوات الاحتلال مرارة لم يذقها من قبل, حيث يتواجد في كشمير قرابة الـ 700 ألف جندي هندوسي؛ لوأد انتفاضة المسلمين هناك، وكان عزيز يؤيد هذه المقاومة بقلبه.. لكن ازدياد ظلم الهندوس للمسلمين في كشمير, دفع عبد الغني عزيز للجهر بتأييده للحركة الإسلامية المقاومة في بلده، كيف كان ذلك؟
يقول عبد الغني: كنت متوجهًا إلي محطة القطار لإحضار شقيقي الصغير, وكنت في عجلة من أمري لأنني أريد الرجوع إلي البيت بسرعة حيث ترقد والدتي هناك مريضة, إلا أن الجنود الهندوس لم يتركوني وشأني, فتقدم لي أربعة منهم وأوقفوني وأمروني برفع يدي, وتقدم أحدهم وقام بتفتيشي, وكنت أشعر بأنه يرتجف, ثم جاء آخر ومزق سترتي , وبعدما تأكدوا من عدم حملي لأي سلاح اقتادوني إلي سيارة عسكرية, ووجدت خمسة شباب كشميريين في السيارة وعندما رأوني نظروا إليَّ نظرة حنان وشفقة في نفس الوقت، وكأنهم يعرفونني جيدًا.. ولكنهم لم يتكلموا خوفًا من بطش الجنود الهندوس.
تحركت السيارة إلي مكان غير معروف , وأثناء سيرها في مدينة سرينجار - عاصمة كشمير المحتلة - كانت المظاهرات تجتاح المدينة , وقد قام الجنود الهندوس بقتل عدد كبير من المتظاهرين , فالجنود لديهم أوامر «بالضرب في المليان» , ورأيت بعينيّ رأسي المأساة, وكيف تحولت شوارع العاصمة سرينجار إلي مقبرة تضم جثامين شهداء شعب مسلم يسعي لتحرير أرضه من قبضة الهندوس.
وعندما توجهت السيارة التي نستقلها نحو المطار القديم لمدينة سرينجار, رأيت الفزع والخوف في عيون رفاقي داخل السيارة ؛ لأنهم كانوا يسمعون عن زنازين التعذيب الموجودة داخل المطار القديم.
زنازين التعذيب
ويواصل عبد الغني سرد قصته: أما أنا فكنت لا أعلم شيئًا عن هذه الزنازين أو غيرها , فقد كنت حديث عهد بالاعتقال حيث لم أُعتقل من قبل , ولم تكن لي علاقة بأي حزب من الأحزاب, فقد وُلدت يتيمًا وكفلتني أمي ورعتني مع أخي الصغير الذي يعمل في محطة القطار, ولذلك لم يكن لنا دور سياسي يُذكر, بل كُنَّا (في حالنا) كما يقولون.. إلا أن الهندوس لا يفرقون بين مسلم يعيش في حاله , وآخر يرفع السلاح في وجوههم لدفعهم علي ترك البلاد لأهلها المسلمين فكلاهما يدين بالإسلام.. ولذلك كنا جميعًا هدفًا لفوهات مدافع الهندوس سواء في كشمير أو الهند نفسها.
علي باب السجن
وأمام باب السجن وقفت السيارة العسكرية التي يستقلها عبد الغني عزيز ورفاقه , وبطريقة همجية دفع الجنود الهندوس الشباب المسلم خارج السيارة.. يقول عبد الغني : عندما نزلنا من السيارة وجدنا أمامنا أكثر من مائة شاب من خيرة الشباب المسلم في كشمير, رأيناهم جالسين القرفصاء وهم عراة إلا من خرقة تستر عوراتهم , وكان الجو شديد البرودة , فقد كنا في شهر فبراير.
وبعدما اصطففنا, وضع الجنود الهندوس عصابة علي عينيّ واقتادني أحدهم وأدخلني إلي إحدى الغرف , وعند دخولي هجم عليَّ عدد كبير من الجنود لا أعلم كم العدد بالضبط فقد كانت هناك عُصابة سوداء علي عينيّ, وانهالوا عليَّ ضربًا بأقدامهم وبأيديهم, هذا غير سيل الشتائم الفاحش حتي فقدت وعٍيي تمامًا.
التحقيق
وعندما عدت إلي وعيي خلعوا العصابة التي علي عيني , وأخذوا يضحكون بصوت عال, وعندما سألتهم: لماذا تضحكون? قال أحدهم : ستعرف بعد قليل , ثم أمرني بالوقوف ورفـْع يدي إلي أعلي ففعلت, وبدأ التحقيق معي.
س : ما علاقتك بالجماعة الإسلامية?
جـ : ليس لي علاقة.
س : أين يخفي أعضاء الجماعة الإسلامية أسلحتهم?
جـ : لا أعلم.
س : أين تدربت في باكستان?
جـ : لم أذهب إلي باكستان أبدًا.
ولم تعجبهم هذه الإجابات فلم يصدقوا منها إجابة واحدة وتقدم أحد الجنود نحوي ولكمني في وجهي , ثم أمسك بلحيتي وقال: إذا لم تكن لك علاقة بالجماعة الإسلامية فلماذا لا تحلق لحيتك هذه?!!
وخرجوا من الزنزانة وأمروني بالتفكير والاعتراف لإنقاذ نفسي, وبعد ساعة عادوا إلي الزنزانة ودخل أربعة جنود آخرين وسألوني نفس الأسئلة: ما علاقتك بالجماعة الإسلامية? وأين يخفي أعضاؤها أسلحتهم? وأين تدربت في باكستان? وأجبت بنفس الأجوبة التي أجبتها في الاستجواب الأول, وفور انتهائي من إجابة آخر سؤال هجم عليَّ الجنود الأربعة ومزقوا جميع ملابسي إلا سروالاً تركوني به أستر به عورتي, وسلموني لجندي آخر جاء يحمل عصاه, وبدأ في ضربي بهذه العصاة علي كل جزء من جسمي دون رحمة حتى فقدت وعيي للمرة الثانية.
أفقت من غيبوبتي بعد فترة لا أعلم مداها, وكانت الغرفة قد تحولت إلي ظلام دامس إلا من ضوء ضعيف يخترق النافذة الصغيرة للحجرة, وحاولت النهوض.. غير أن قدميّ لا تقدران علي حملي, وشعرت بجفاف شديد بحلقي , وطلبت من الحارس ماءً فأشفق عليَّ وحمل لي كوبًا من الماء, فشربت وارتويت, ثم أعطاني بطانية قديمة التحفت بها وألقيت جسدي علي الأرض ونمت نومًا عميقًا من شدة ما لاقيته من تعذيب في نوبتَي التحقيق السابقتين.
نوبة نصف الليل
أفقت في منتصف الليل علي أحد الجنود وهو يركلني بقدمه ثم أحضر كرسيًا ووضعه علي يدي وجلس عليه فصرخت بكل قوة وعزم ودون ترتيب: يارب ساعدني, فجاء جندي آخر وضربني برجله وقال: أين إلهك هذا الذي تطلب مساعدته? ثم قال: ادع إلهك وادع باكستان وادع الشيخ الجيلاني!! (والشيخ علي الجيلاني هو زعيم المقاومة الإسلامية ورئيس تحالف الأحزاب الكشميرية للتحرير) ثم أخذ يسب جميع الأحزاب الجهادية.
الحارس المسلم
وفي اليوم التالي جاء الجندي الذي سقاني الماء وأعطاني البطانية في الليلة السابقة, ودخل عليَّ الزنزانة ومعه عصا أخذ يضرب بها علي الأرض ويصرخ بصوت عال يوبخني, ثم كلمني بصوت منخفض: أنا مسلم مثلك, وما أطلبه منك هو أن تصرخ بصوت عال حتي يظن الهندوس أنني أعذبك.
 وبعد أربعة أيام في زنزانة المطار خرجت من الزنزانة إلي ساحة الجهاد في سبيل اللّه بعدما رأيت أفاعيل الهندوس الملاعين، ولن أتوقف عن قتالهم حتي تتحرر كشمير أو ألقي اللّه شهيدًا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق