الصين الصاعدة منافس حقيقي لأمريكا

الصين الصاعدة منافس حقيقي لأمريكا
بقلم : جديون راتشمان
هل الصين اليوم مثل الولايات المتحدة عام 1980؟ أم أنها أشبه باليابان عام 1980؟ إذا صح الشبه بالولايات المتحدة فمن المرجح أن تكون الصين القوة المهيمنة في القرن المقبل. وإذا كانت المقارنة باليابان أكثر دقة، فيمكن أن يكون التحدي الذي تشكله الصين للسيطرة الأمريكية عرضاً عابراً سرعان ما يزول.
الحالة المزاجية الراهنة في الولايات المتحدة تشعر بشكل مبالغ فيه أنها تسير نحو الانحدار، أو التراجع الذي بدأ مع نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عندما أصيبت الولايات المتحدة بالذهول بسبب صعود اليابان. فقد أظهر استطلاع حديث للرأي أجراه مركز بيو أن السواد الأعظم من الأمريكيين يعتقدون الآن أن الاقتصاد الصيني أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة. وهذا خطأ تماماً. ففي الوقت الذي جرى فيه الاستطلاع، كان حجم الاقتصاد الصيني نصف حجم الاقتصاد الأمريكي.
هذا النوع من الفزع هو الذي استحكم في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. فقد أثار المستثمرون اليابانيون حنق الأمريكيين عبر شراء مركز روكفيلر في مدينة نيويورك، وكانت اليابان أكبر بلد دائن في العالم.
كان الكتاب الذي لفت الانتباه لروح الانحدار في أواخر ثمانينيات القرن الماضي هو «صعود القوى العظمى وسقوطها» The Rise and Fall of the Great Powers للمؤلف بول كنيدي، وهو مؤرخ من ولاية ييل عرف القراء بفكرة «التوسع الاستعماري». وكانت حجته أن أمريكا ترزح تحت وطأة التزاماتها العالمية وأنها الآن في انحدار نسبي ــ سائرة على الطريق الذي سارت عليه الإمبراطوريات البريطانية، والنابليونية، والإسبانية.
أحدث كتاب البروفيسور كنيدي ضجة عندما نشر عام 1988. لكن لم يكد يمضي عام حتى سقط جدار برلين وانفجرت فقاعة سوق الأسهم اليابانية. وفي أواسط تسعينيات القرن الماضي، كانت «فرضية كنيدي» نفسها في حالة تراجع أو انحدار نسبي، وحلت محلها نظريات جديدة أكثر إغراء تتحدث عن الولايات المتحدة باعتبارها «القوة العظمى الوحيدة» وعن «صدام الحضارات».
الآن، المتاعب التي تواجهها أمريكا على الصعيدين المالي والعسكري ــ إلى جانب صعود الصين – تثير سؤالا حول ما إذا كان البروفيسور كنيدي مصيباً بعد كل ذلك. فربما تكون هيمنة أمريكا بعد الحرب الباردة مجرد صورة عابرة قبل استئناف التراجع النسبي.
 ولدى إعادة قراءة الكتاب بعد ما يربو على 20 عاماً من نشره، يبدو أنه كان ذا بصيرة نافذة في بعض النواحي ومخطئاً على نحو صارخ في نواح أخرى. فالقول إن حصة أمريكا من الاقتصاد العالمي ستتراجع لا محالة -وأن ذلك ستكون له آثار كبيرة جداً على السياسة العالمية- ما زال يبدو وكأنه يشخص واقع الحال. لكن البروفيسور كنيدي كان مفتوناً أيضا بصعود اليابان، وقال: «من المرجح أن تتوسع بشكل أسرع من القوى الرئيسية الأخرى في المستقبل» وأنها ستكون «أقوى بكثير» على الصعيد الاقتصادي في أوائل القرن الواحد والعشرين.
 إنني لا أنتقي هذه الملاحظات القديمة استهزاء بالبروفيسور كنيدي. ما أريد أن أقوله ببساطة هو أن الحقائق والحكمة التقليدية يمكن أن تتغير بسرعة. ففي الوقت الراهن، يبدو صعود الصين غير قابل للتوقف، كما كان الحال بالنسبة لنمو اليابان في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. لكن هناك كثير من المحللين الذين يرون الفقاعات على الطراز الياباني تنتفخ وتتضخم في الاقتصاد الصيني. وربما تنفجر الفقاعة الصينية بدورها، تاركة الذين توقعوا أن يكون هذا القرن «قرناً صينياً» يهرشون رؤوسهم حيرة ودهشة.
 وفي الحقيقة في بعض النواحي منافسة الصين للولايات المتحدة أقل معقولية من منافسة اليابان لها في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. فاليابان بلد ثري، ومتجانس، ومتقدم، ولديه نظام سياسي مستقر. لكن الصين في نواح كثيرة كما يصر زعماؤها على وصفها دائماً، بلد نام.
 ورغم أن بعض المفكرين الغربيين هللوا لقدرة الصين على التخطيط للمدى الطويل، فإن النظام السياسي للبلد يتسم في صلبه بعدم الاستقرار. وتدل تصرفات الحكومة الصينية غالباً على أن زعامتها ما زالت قلقة بشأن سلطتها وشرعيتها. وينم إصرارها الغاضب على وحدة البلد عن شعور عميق بالقلق بشأن التحديات الانفصالية التي تواجهها في إقليمي التبت وسينكيانج.
 لكن في نواح أخرى أكثر أهمية، تعتبر الصين متحدياً أخطر للسيطرة الأمريكية من اليابان. وأوضح نقطة على هذا الصعيد تتعلق بالعامل الديمغرافي. فعدد سكان الولايات المتحدة يزيد على ضعفي عدد سكان اليابان، ويقل عن ربع عدد سكان الصين. وأيضاً، كانت اليابان (ومازالت) ديمقراطية، وهي حليف لأمريكا ويوجد فيها نحو 500 ألف جندي أمريكي. أما الصين في المقابل، فهي منافس جيوسياسي. وإذا ظلت الصين تنمو بسرعة فلا بد أن يصبح اقتصادها في وقت من الأوقات أكبر من اقتصاد الولايات المتحدة - ومن المؤكد أن هذه العملية سوف تغير ميزان القوى العالمي.
 لذلك يظل السؤال الكبير: إلى متى يستطيع الاقتصاد الصيني أن يظل مزدهراً؟ إن أوجه الاختلاف هنا بين الصين اليوم واليابان في ثمانينيات القرن الماضي أوضح من أوجه التشابه. فبما أن الصين أفقر مما كانت اليابان في ذلك الوقت، وبما أن عدد سكانها أكبر بكثير، فربما كان لديها مجال هائل للتطور الداخلي وللنمو الاقتصادي السريع.
 إن الصين تنفق مبالغ طائلة على البنية التحتية، لكنها في حاجة لذلك -لأن كثيرا من قراها مثلا ما زالت تفتقر إلى الطرق المعبدة. وحتى لو تعرض البلد لاختلالات، ولتفجر الفقاعات، وإلى حالات من الركود من وقت إلى آخر، فإن لديها من نقاط القوة ما يجعلنا نتوقع أن تقلص الفارق بينها وبين القوى العظمى الأخرى. وفي الحقيقة، الصين ربما تكون مثل اليابان- لكنها أشبه باليابان في ستينيات القرن الماضي منها في 1988.

 وإذا استمر نمو الصين السريع لمدة 20 سنة أخرى، فمن المرجح أن تحصل على لقب «أكبر اقتصاد في العالم» في وقت ما خلال عشرينيات القرن الحالي. ربما تكون أمريكا حققت هذا الوضع في أواخر القرن التاسع عشر. واستغرق الأمر نصف قرن وحربين كي تترجم القوة الاقتصادية الأمريكية الصرفة إلى هيمنة جيوسياسية. وأجد نفسي غير متأكد مما إذا كانت تلك الفكرة مشجعة أم لا.

0 التعليقات:

إرسال تعليق