في يوم السابع والعشرين من شهر أكتوبر منذ 67 عامًا
استيقظ سكان ولاية جامو وكشمير المسلمون على جحافل الهندوس يقتحمون عليهم بيوتهم يُقتـِّلونهم،
لا يرقبون فيهم إلا ولا ذمة، حيث غاصت أقدام الهندوس النجسة في دماء المسلمين الأطهار
دون ذنب جنوه، وحصدت آلة الحرب الهندوسية أرواح 300 ألف مسلم في شهرين فقط -نحسبهم
من الشهداء- في محاولة منهم تغيير تركيبة السكان الذين يزيد فيهم المسلمون عن 80%،
واستعان الهندوس في حصد هذه الأرواح بحاكم الولاية مهراجا هاري سينج ورجال الدوغرا،
القبيلة التي ينتمي إليها هذا الحاكم الذي باع الولاية بدراهم معدودات.
فهي ذكرى أليمة ليوم يُطلِق عليه الشعب الكشميري
المسلم وإخوانه في باكستان والهند وبنجلاديش وصفاً كئيباً وعبارة قاسية على نفوسهم
لازمت هذا اليوم منذ العام 1947 وحتى اليوم وهي: "اليوم الأسود" أو
"Black
Day" وهو اليوم الذي استيقظ فيه الشعب الكشميري ليجد قوات الاحتلال
الهندوسي فوق أرضه وعلى رأسه، فهبوا عن بكرة أبيهم يساعدهم إخوانهم الباكستانيون لتحرير
أراضي كشمير وطرد الاحتلال الهندوسي، ونجحوا بالفعل في تطهير ثلث الولاية، إلا أن
المؤامرة كانت هناك، فدخلت الأمم المتحدة على الخط يدعمها كل أعداء الأمة الإسلامية
لتعلن الدعوة للتفاوض، ووقف الحرب بين الجارتين وهما الدولة الهندوكية ذات الأغلبية
الهندوسية، والدولة الباكستانية المسلمة، ويَصدر قرار الأمم المتحدة بإعطاء الشعب الكشميري
حق تقرير مصيره والاختيار ما بين الانضمام للهند أو لباكستان وهو القرار المجمد حتى
تاريخه.
وقد منح تقسيم الهند إلى دولتين، على أساس ديني، كشمير
الحق في أن تنضم إلى باكستان لا إلى غيرها للأسباب التالية:
1- أنها امتداد حيوي لباكستان.
2- أنها حدود باكستان الطبيعية.
3- أن ثلاثة أنهار باكستانية
تنبع من كشمير.
4- أن نحو 80% من سكانها مسلمون.
5- أنها تقع بين ذراعي باكستان
أو أنها بمثابة القلب والرأس من باكستان.
6- الحجة الأقوى، أن أهلها
المسلمون وهم الأكثرية الساحقة، يريدون الانضمام إلى باكستان، وهناك من الأقلية غير
المسلمة فريق يرجح الانضمام إلى باكستان.
7- أن علاقات كشمير
وباكستان الاقتصادية والاجتماعية مرتبطة ارتباطًا وثيقـًا لا ينفصم.
وحسب قانون الاستقلال، وخطة التقسيم في 3 يوليو عام
1947م، والتي أقرها البرلمان البريطاني في 18 يوليو من نفس العام، فإن المناطق ذات
الأكثرية الهندوسية يتم ضمها إلى الهند، والمناطق ذات الأغلبية المسلمة تنضم لباكستان،
وبالتالي كان لا بد أن تنضم ولاية جامو وكشمير ذات الأغلبية المسلمة لباكستان.
المؤامرة:
غير أن الذي حدث هو خلاف ذلك، إذ بينما كان الشعب ينتظر
ساعة الخلاص كان مهراجا هاري سينج مع الزعماء الهندوس يَحيكُ مؤامرة ضم الولاية إلى
الهند، وقد أشركوا معهم لورد لويس مونتباتن، آخر حاكم بريطاني على الهند، في هذه المؤامرة،
حيث كان من المقرر أن تعلن جميع الإمارات رأيها بالانضمام إلى إحدى الدولتين قبل تاريخ
15 أغسطس 1947م ولذا فقد كان مونتباتن يتظاهر بأنه يستعجل المهراجا سينج ليعلن انضمامه
إلى باكستان قبل الموعد المقرر، إلا أن المهراجا كان يماطل ويحاور ويتحاشى البحث مع
الحكومة الباكستانية، ولما طال أمد مماطلات المهراجا زار مونتباتن كشمير في الأسبوع
الثالث من يونيو 1947م بغية الاجتماع مع المهراجا للبت في الأمر، ولكن المهراجا كان
يراوغ أيضًا، ويتحاشى البحث مع مونتباتن مسألة الانضمام إلى باكستان، ولما أدرك مونتباتن
هذه المماطلات أبلغ رئيس وزراء كشمير "بندت كاك" ضرورة الإسراع بالانضمام
إلى باكستان إجابة لرغبة سكان الإمارة وأوضح له المشاكل التي تترتب عن إعلان كشمير
الاستقلال عن الدولتين، ولما حاول مونتباتن مصارحة المهراجا على انفراد، خلال اجتماع
خاص، بهذه الحقائق، إلا أن المهراجا اقترح أن يتم هذا الاجتماع في آخر يوم من أيام
زيارة مونتباتن، ولكن المهراجا - كعادته - تمارض في ذلك اليوم، وادعى أنه مصاب بمغص
أو أنه يعاني "الإسهال"، وقد أوضح المهراجا بتصرفه هذا أنه غير صادق في أقواله،
وأنه يضمر غير ما يظهر، وأن في الواقع لم يكن يريد الانضمام إلى باكستان، ولا يود الاستقلال،
بل كان يعمل مع الهنادكة لضم إمارة كشمير إلى الهند متحديًا بذلك إرادة الأكثرية المسلمة
في الإمارة ومصالح كشمير وباكستان.
غاندي يشارك في المؤامرة:
وكان الهندوس يشجعونه على تصرفاته هذه، بل ويرسمون
له ومعه هذه المؤامرة، وليس هذا تجنيًا، فغاندي الذي لم يذهب في حياته إلى كشمير، ذهب
إليها في أول أغسطس 1947م واجتمع مع المهراجا سينج، وأيضًا اجتمع برجل الدين الهندوسي
"سوامي سانت ديو"، المعروف في كشمير باسم راسبوتين القصر، إذ أنه كان يحل
ويعقد كما يريد، وكان له تأثيرًا عظيمًا على المهراجا وعلى زوجته أيضًا، كما كانت حالة
راسبوتين في قصر أباطرة روسيا.
وأدرك الباكستانيون بأن زيارة غاندي لكشمير لم تكن
خالصة لتنفيذ قرارات التقسيم، لكنها كانت في إطار خطة هندوسية للاعتداء على كشمير ونهبها
أرضًا وتشريد شعبها المسلم وقتله ودفعه للهجرة إلى باكستان.
وقد ذكر مراسل
صحيفة التايمز بأن زيارة غاندي أثرت على قرار المهراجا تأثيرًا كبيرًا، ومما يدل على
ذلك التأثير هذا الكتاب الذي أرسله غاندي إلى جواهر لال نهرو، والذي يقول فيه:
" لقد قابلت المهراجا
وزوجته، وإنهما على الرغم من رغبتهما في الانضمام إلى هندوستان، إلا أنه لا بد من مراعاة
رغبة الشعب في الاختيار ... "
وقد حُبكت خيوط المؤامرة حبكـًا متقنـًا إذ أن المهراجا
ظل يماطل حتى يوم 15 أغسطس 1947م، آخر يوم لاتخاذ قرار من أمراء الولايات بالانضمام
للهند أو باكستان أو الاستقلال، ثم عقد المهراجا اتفاقـًا مع حكومة باكستان يقضي بإبقاء
الوضع على حاله في كشمير كما كان عليه أيام الاحتلال البريطاني، فأصبحت باكستان بموجب
هذه الاتفاقية تمثل كشمير دبلوماسيًا وتدافع عنها عسكريًا، وكان المفروض أن يكون هذا
الاتفاق توطئة للانضمام النهائي، ولكن باكستان كان في واد آخر غير الذي كان فيه المهراجا
والحكومة الهندية.
هكذا كانت إرهاصات الاستقلال أو الانضمام إلى باكستان،
ولم يخطر على بال أحد سواء من كشمير أو باكستان أن تبلغ سوء النية والعداء السافر بالهنادكة
إلى حد الاعتداء الصارخ على حقوق المسلمين في كشمير، لا سيما وهي جزء متمم من باكستان
كما كان يقول الزعيم محمد علي جناح : "إن كشمير سياسيًا واقتصاديًا عصب باكستان
المركزي ولا تستطيع أمة تحترم نفسها أن تعرض عصبها المركزي لسيف عدوها".
وكان الهنادكة يعلمون مدى أهمية كشمير للمسلمين ؛ ولذا
عملوا جاهدين للاستيلاء عليها، لكي يسيطروا على باكستان ؛ لأن استيلاء الهند على كشمير
كان يعني حصار باكستان وخنقها، وأنه لا بد من الاستيلاء على كشمير ليسهل الاستيلاء
على باكستان، فالهنادكة يخططون للقضاء على المسلمين كافة وعلى باكستان قبل كل شيئ،
ووضعوا كل ثقلهم للاجهاز على كشمير والتهامها.
الولايات الأميرية الثلاث:
وكانت كشمير
ضمن الولايات الأميرية الثلاث "حيدر أباد - دكن - المسلمة، وجوناكده، وكشمير"
مستقلة في ذلك الحين، وكان مطلوبًا منها الاختيار لتقرر مصيرها إذا كانت الولايات الثلاث
تريد الانضمام إلى الهند أو باكستان، إلا أن الهند انتهكت هذه الرغبات والإرشادات الموضوعة
التي كان من شأنها أن هذه الولايات حرة في مسألة تقرير المصير، خاصة فيما يتعلق بالوضع
الجغرافي والديموغرافي، فلما أرادت حيدر أباد ذات الـ (30) مليون نسمة وكان أميرها
مسلم، لما أرادت الاستقلال هاجمتها الجيوش الهندية، واستولت عليها، أما جوناكده فرغم
تلاصق حدودها مع باكستان، ورغبة أهلها المسلمون وحاكمها المسلم كانت الانضمام إلى باكستان،
إلا أن الهندوس اعتدوا عليها وانتزعوها من أيدي أخوانهم في باكستان، ثم اعتدى الهندوس
على كشمير ذات الأغلبية السكانية المسلمة وذات الحدود المشتركة مع باكستان (ألف كيلو
متر)، فقد كان للولاية وأهلها المسلمون الرغبة في الانضمام لباكستان، إلا أن مكائد
الحاكم الهندي والكونجرس الوطني الهندي مهدا الطريق لوأد رغبة الكشميريين في الانضمام
لباكستان، حيث خـُطـَّت وثيقة الاستقلال في دهلي ثم قـُدمت لحاكم كشمير المهراجا هاري
سينج، ولم يتأكد حتى الآن أن يكون المهراجا قد وقع على هذه الوثيقة أم لا، وإن كان
هناك مراقبون يرفضون وجود هذه الوثيقة، فالمؤرخ البريطاني البارز الستر لامب يتحدى
في كتابه "ولادة المأساة" أن تكون هذه الوثيقة موجودة قبل التقسيم، ويؤكد
أن وثيقة الانضمام ظهرت بعد أن هاجمت القوات الهندية ولاية جامو وكشمير في 27 أكتوبر
1947م، مؤكدًا أن الوثيقة لم يُوقع عليها الهراجا، حيث كان مترددًا في التوقيع علي
الوثيقة، حيث كانت الحكومة الهندية تتعامل بشأن وثيقة انضمام الولاية بشكل سري، ولم
تظهر للوجود إلا بعد احتلال القوات الهندية كشمير.
بدء المقاومة:
لم يوافق
الشعب الكشميري علي احتلال الهند للولاية منذ اليوم الأول بدأ الجهاد ضد القوات الهندوسية،
ولما أحس الهندوس بأنهم سيُمنوْن بهزيمة ساحقة علي يد المجاهدين الكشميريين، وبمساعدة
إخوانهم في باكستان، وأيضًا بمساعدة رجال القبائل الشداد، رفعت الأمر إلى مجلس الأمن
والأمم المتحدة في أول يناير 1948م .
ورغم أن الهند هي التي دفعت النزاع حول كشمير إلى المنظمة
الدولية ؛ طالبةً دعمها إلا أنها لم تطبق قرارًا واحدًا من القرارات المتتابعة التي
أصدرها مجلس الأمن، الذي أصدر قرارين في 13 أغسطس 1948م و5 يناير 1949م، ويقضي القراران
بالآتي:
1- وقف إطلاق النار، وترسيم
خط وقف إطلاق النار.
2- انسحاب رجال القبائل والرعايا
الباكستانيين والجيش الباكستاني إلى ما وراء خط إطلاق النار، وانسحاب القوات الهندوسية
ونزع السلاح من الولاية .
3- إجراء استفتاء حر ونزيه
تحت إشراف الأمم المتحدة ؛ لتقرير المصير.
وقد قبلت باكستان القرارين على الأساس التالي :
1- تسريح قوات كشمير الحرة
وتجريدها من السلاح خلال مرحلة الاستفتاء، وذلك استكمالا للعمليات المنصوص عليها في
المادتين 1و2 من قرار 13 أغسطس 1948م.
2- سحب الجيش الباكستاني في
وقت واحد مع انسحاب الجيش الهندي.
3- عدم المساس بسيادة كشمير
ووحدتها .
4- عدم السماح بدخول عسكريين
أو مدنيين، تابعين لحكومة كشمير أو الحكومة الهندية إلى المنطقة التي تجلو عنها القوات
الباكستانية، لا باسم الإدارة أو باسم السيطرة.
5- يستمد المشرف على هذا الاستفتاء
سلطته من السلطات المعنية على جانبي خط الهدنة أي من كل من حكومة كشمير المحتلة ومن
حكومة كشمير الحرة.
6- لما كانت المناطق الشمالية
"مناطق خالية" وكانت تحت السيطرة الفعلية للقيادة الباكستانية العليا، ولذا
فلا يسمح بإنشاء مراكز لحاكيات هندوسية في تلك المناطق.
ونتيجة لذلك أصبح هناك جزءٌ من كشمير تحتله الهند حوالي
ثلثي الولاية، ويسمى كشمير المحتلة، وجزء آخر يسمى كشمير الحرة.
مأساة بكل المقاييس:
كشمير اليوم تمثل المأساة بكل المقاييس فعلى الرغم
من أن الهند هي التي رفعت النزاع إلى الأمم المتحدة، وتم إصدار قرارات بوقف إطلاق النار
إلا أنها لم تكن سوى حبر على ورق، فالهند لم تلتزم بها وواصلت حملة شرسة ضد الشعب الكشميري
الذي قارب عدد من سقط صريعًا من أبنائه مائة ألف قتيل برصاص القوات الهندية التي لم
تلتزم بوقف إطلاق النار.
وبما أن القرارات الدولية لم تقدم للشعب الكشميري شيئًا
؛ لحل قضيته العادلة فما كان من هذا الشعب الأبي إلا أن قام بحركة مقاومة إسلامية عظيمة
منذ العام 1989م دفاعًا عن أرضه، وهذه المقاومة دفعت رئيس الوزراء الهندي السابق أتال
بيهاري فاجبايي إلى التفاوض مع رئيس باكستان الجنرال بروفيز مشرف في السادس من يناير
2004م، واستمرت المحادثات بين البلدين حتى تولى مان موهان سينج رئاسة وزراء الهند في
2004م، وأظهرت باكستان مرونة شديدة في الحوار إلا أن الهند أظهرت تصلبًا وتعنتـًا أشد،
وهذا الموقف الهندي عرقل كل جهود حل النزاع سلميًا حتى الآن، ومن المعتقد أن الهند
ستحصد نتيجة موقفها المتعنت؛ لأنها فقدت فرصة ذهبية يعدم موافقتها على الاقتراحات الباكستانية،
وهي نزع السلاح، والحكم الذاتي، والإدارة المشتركة لحل النزاع.
ويبقى الوضع في كشمير المحتلة على ما هو عليه، ويستمر
الإرهاب الهندي ضاربًا جذوره في الولاية منتهكًا كل القوانين والأعراف الدولية وغير
الدولية ضد الأبرياء من أبناء الشعب الكشميري، لتسجل بذلك منظمات حقوق الإنسان أرقامًا
قياسية في انتهاكات حقوق الإنسان من قتل للأطفال والرجال والنساء، وسجن للأبرياء، وتغييب
لعدد كبير من شباب كشمير.
وقد عبرت المنظمات الدولية للحقوق الإنسان عن استيائها
الشديد مما يحدث لأهالي كشمير، وأصدرت هذه المنظمات تقاريرها ضد هذه الانتهاكات ، ولم
تهتم سلطات الاحتلال الهندية بهذه الاحتجاجات، واستمرت في ممارساتها القمعية ضد المسلمين
في كشمير.
وفي 10 من يوليو 2008م أصدر الاتحاد الأوربي قرارًا
في دورته المنعقدة في استراسبورج دعا فيه الهند إلي التحقيق النزيه والمستقل في المقابر
الجماعية التي تصل إلى حوالي ألف مقبرة، وأدرك القرار أن القبور حوت بقايا جثث لقتلى،
وأدان القرار القتل الذي تمارسه قوات الأمن والجيش الهنديين، وعمليات الاختطاف والتغييب
الإجبارية، وأيضًا التحرش بالنساء وغيرها من انتهاكات حقوق الإنسان .
هذا هو السياق الذي لا بد أن يكون عليه الاحتفال بيوم
27 أكتوبر، كيوم أسود في حياة الشعب الكشميري، والاحتفال يدل على إرسال رسالة واضحة
للعالم ليتعرف على المأساة التي يعيشها الشعب الكشميري، وأيضًا يشكل الاحتفال بهذا
اليوم رسالة من الشعب الكشميري أنه ماض في طريقه لحل عادل لقضيته، وعلى الهند أن تقرأ
المكتوب على جدران البنايات في كشمير، حتى تعرف كم هو مُرٌ هذا الاحتلال، وكم سيكون
خنجرًا في قلب الهند، فهل تعي الهند معنى هذا الاحتفال، وتتحرك لحل النزاع حلاً نهائيًا
لآخر مرة.
ويقصدون من الاحتفال لفت أنظار العالم إلى ما يحدث
للمسلمين في الولاية ذات الغالبية المسلمة (80% مسلمون)، وهم يعتبرون هذا اليوم أسود
الأيام في تاريخ كشمير.
0 التعليقات:
إرسال تعليق