أكدت المملكة العربية
السعودية أمس الجمعة في جلسة مجلس الأمن حول ضحايا الهجمات المبنية على أسس عرقية أو
دينية في الشرق الأوسط أن اضطهاد الأقليات الدينية يمثل مخالفة شرعية جسيمة للدين الإسلامي
الحنيف.
وقال مندوب المملكة
الدائم لدى الأمم المتحدة السفير عبد الله بن يحيى المعلمي إن الشرق الأوسط يعيش مرحلة
من الاضطرابات لم يشهد لها مثيلا من قبل، ويتعرض الإسلام لهجوم مزدوج من الداخل والخارج،
فمن الداخل نجد أن فئات متطرفة ترتدي عباءة الدين وهو منها براء، مثل داعش والقاعدة
وحزب الله وغيرها، تمارس أبشع أعمال القتل والاضطهاد ويقع ضحيتها أعداد كبيرة من المسلمين
في الدرجة الأولى كما يطال لهيبها أعدادا كثيرة من أبناء الطوائف الأخرى، ومن الخارج
يواجه الإسلام حملة إعلامية واستفزازية تشمل ممارسات العنف التي يتعرض لها المسلمون
في بعض أجزاء أوروبا وفي ميانمار وفي فلسطين وغيرها من الأماكن، كما تشمل ممارسات لا
تقل ضررا حتى وان لم تتسم بالعنف مثل ما يتعرض له الدين الإسلامي من تشويه واستهانة
بمقدساته ورموزه الدينية مثل نشر الصور والرسوم الكاريكاتورية المسيئة للنبي محمد صلى
الله عليه وسلم.
وقال المعلمي
"لذلك فإننا كنا نتمنى لو أن منظور هذه الجلسة قد أخذ في الحسبان كل هذه الاعتبارات
ولم يقتصر على مسألة ضحايا الهجمات على الأقليات في الشرق الأوسط بالرغم من أهمية هذه
الجزء". وتابع قائلا "لو أننا توسعنا في النظر إلى هذه القضية وأدركنا أبعادها
التاريخية لعرفنا أن الإسلام هو دين التسامح والانفتاح، وهو الدين الذي لا يفرق بين
الأديان حيث يقول الله تعالى في كتابه الكريم: "آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه
والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله" وهو الدين
الذي يشترط على معتنقيه أن يبرّوا غيرهم ويقسطوا إليهم حيث يقول الله سبحانه وتعالى:
"لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم
وتقسطوا إليهم" وهو الدين الذي لا يكتمل إيمان أفراده إلاّ إذا آمنوا برسالة عيسى
وموسى وغيرهما من أنبياء الله عليهم السلام، وهو الدين الذي يقر بالحرية الدينية حيث
يقول الله سبحانه وتعالـى: "لا إكراه في الدين"، وهو الدين الذي رعى أتباعه
الأقليات الدينية عبر مئات السنين ومنهم المسيحيون في فلسطين واليهود في الأندلس وغيرهم".
وبيّن مندوب المملكة
لدى الأمم المتحدة أن كل ما نشاهده في عصرنا الحاضر من اضطهاد للأقليات الدينية في
الشرق الأوسط إنما يمثل مخالفة شرعية جسيمة للدين الإسلامي الحنيف واستغلالاً مقيتاً
له وإساءة إلى صورته ومبادئه، كما أنه يُستغل في كثير من الأحيان ما يتعرض له المسلمون
من اضطهاد وتهميش سواء كان ذلك على أيدي أنظمة ظالمة مستبدة مثل النظام السوري الذي
قتل مئات الألوف من أبناء الشعب السوري وشرد الملايين دون اعتبار لدين أو مذهب أو عرق،
أو كان على أيدي إسرائيل التي ما فتئت تضطهد الشعب الفلسطيني بمسلميه ومسيحييه وتمارس
تجاههم أبشع ممارسات القتل والتطهير العرقي.
وقال المعلمي: إن محاربة
العنف والهجمات على الأقليات الدينية في الشرق الأوسط وفي كل مكان في العالم يجب أن
تستند على ركنين أساسيين، الأول هو مكافحة الإرهاب بشتى صوره وأشكاله ومحاصرة داعميه
ومؤيديه، والثاني هو إحقاق الحق وإرساء مبادئ العدالة الدولية وسيادة القانون بين الدول
وداخلها.
وأضاف بأن الشرق الأوسط
الذي يعاني من ظاهرة العنف والهجمات على الأقليات يحتاج من مجلسكم الموقر إلى علاج
جذري لمشكلاته السياسية وعلى رأسها إقرار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وإتاحة الفرصة
له لممارسة حقوقه المشروعة في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة على حدود الرابع
من يونيو 1967م وعاصمتها القدس الشريف، وكذلك التوصل إلى حل سياسي لقضية الشعب السوري
يستند إلى بيان جنيف الذي دعا إلى إقامة سلطة تنفيذية ذات صلاحيات كاملة تقود الشعب
السوري نحو تحقيق تطلعاته في العدالة والحرية والرخاء، كما أنه من الضروري منع القوى
المتطرفة مثل حزب الله ومليشيات الحوثيين من فرض إرادتهم السياسية على الفئات الأخرى
بالقوة المسلحة ومحاربة الإرهاب حرباً لا هوادة فيها في كل مكان وبجميع الوسائل الممكنة.
وقال مؤكدا "لقد
أدركت المملكة العربية السعودية أهمية الحوار مع أتباع الديانات والثقافات الأخرى فأسست
بالتعاون مع مملكة إسبانيا وجمهورية النمسا وبمشاركة الفاتيكان مركز الملك عبدالله
للحوار بين أتباع الثقافات في فيينا، ليتولى نشر فكرة الحوار والتفاهم بين مختلف الديانات
والمذاهب، كما أنها رعت وما زالت ترعى قنوات الحوار المذهبي داخل الدين الإسلامي، وحاربت
الإرهاب عبر المشاركة في التحالف الذي يتصدى لإرهاب داعش في الشمال وإرهاب الحوثيين
في الجنوب، وأسهمت في تأسيس مركز لمكافحة الإرهاب تحت مظلة الأمم المتحدة ، وأطلقت
مبادرتها للسلام في فلسطين، وعندما اجتاحت عصابات داعش مساحات واسعة في العراق بادرت
المملكة العربية السعودية إلى تقديم يد العون إلى أشقائنا العراقيين وقدمت تبرعاً بمبلغ
500 مليون دولار للعمل على مساعدة من تعرض لأذى الهجوم الإرهابي دون النظر إلى الفروقات
الدينية أو المذهبية أو العرقية للمتضررين. هكذا تستمر بلادي في العمل على محاربة من
يضطهد الأقليات وتسعى في الوقت ذاته إلى إيجاد قنوات للحلول السياسية الثقافية وللحوار
والتفاهم".
وخلص مندوب المملكة
لدى الأمم المتحدة إلى القول "هذا هو نهجنا وهو ما ندعو إليه بالحكمة والموعظة
الحسنة".
0 التعليقات:
إرسال تعليق