بيشاور أرض المواجهة ومدينة الزهور


بيشاور أرض المواجهة ومدينة الزهور
صلاة عيد الأضحى في بيشاور 
منطقة القبائل هي الأخطر منطقة في باكستان في الأعراف الأمنية، وباستثناء القادمين من القبائل البشتونية في أفغانستان فإن الغرباء نادرًا ما يكون مرحبا بهم في هذه المدينة، بدأ تاريخها المعروف مع الملك كانيشكا الأول في القرن الثاني قبل الميلاد، وكانت قرية صغيرة في ذلك الزمن، إلا أن التاريخ يذكر أيضا أنها من أقدم المناطق المأهولة بالسكان في قارة آسيا كلها، وتحولت في ذلك العصر إلى أحد المراكز البوذية، وعبرت بهذه الهوية المرحلة الإغريقية التي ترتبت على فتوحات الإسكندر المقدوني في آسيا، وبقيت كذلك حتى دخلها المسلمون في القرن العاشر للميلاد، ففتح بيشاور أتى متأخرا قياسا ببقية المناطق الأخرى في آسيا الوسطى.
تعني بيشاور أرض المواجهة، وعرفت في العصر المغولي أيضا بمدينة الزهور، وأصبحت في تاريخها أحد مراكز المغول المسلمين، وفي القرن الثامن عشر أصبحت بيشاور جزءًا من المملكة البشتونية في أفغانستان، وذلك بعد اجتماع لقبائل الأفغان، فيما يعرف بتقليد اللويا غيرجا، واعتبرت العاصمة الصيفية للأفغان وثاني أهم مدنهم بعد كابول، ومع دخول الإنجليز في باكستان وأطراف أفغانستان في القرن الثامن عشر خضعت بيشاور لسيطرتهم، وتحت مبدأ فرق تسد، استطاع السيخ أن يسيطروا على المدينة، ولكن المسلمين تمكنوا من استعادتها بعد صراع مرير، خاصة أن المعارك للسيطرة على المدينة تمت في ظروف صعبة، وبقيت بيشاور مدينة أفغانية في مطلع القرن العشرين.
مع استقلال باكستان انضمت بيشاور إلى الدولة المستقلة حديثا عن الهند، وذلك بناء على موافقة أهلها، لتمكين الدولة الناشئة من بناء ثقل في مقابل المناطق الجنوبية التي تضم أقليات من الهندوس، وفي مواجهة الهند، وتمت تسوية مسألة بيشاور على مراحل بين الأفغان والباكستانيين، إلا أن بعضا من أهالي المدينة ما زالوا يتمسكون بالهوية الأفغانية، خاصة بعد أن وفد إلى المدينة القريبة من حدود أفغانستان مئات الآلاف من اللاجئين الأفغان بعد الغزو السوفييتي لبلادهم، وأدى ذلك إلى ضغط كبير على المدينة المزدحمة، حيث لم تتوسع مساحة بيشاور بنفس المعدل الذي تزايد به عدد سكانها حتى وصل إلى أكثر من ثلاثة ملايين نسمة حاليا.
الكلية الإسلامية في بيشاور
بيشاور القديمة تعد من المدن التي تحيطها الأسوار، وفي أسوارها ستة عشر بابا، أشهرها باب كابول الذي يطل على جهة الشرق حيث العاصمة الأفغانية، وتقع المدينة قريبا من أهم معبر حدودي بين البلدين الجارين، ممر خيبر الجبلي الصعب، وتتخالط في بيشاور الثقافة البشتونية مع الثقافة الهندية المتبقية، وكانت المدينة بعد سيطرة المجاهدين وحركة طالبان على أفغانستان، وتحريمها للفنون، عاصمة للفنون البشتونية، واشتهرت بصناعة الآلات الموسيقية.
تحولت بيشاور بعد أحداث سبتمبر 2001 إلى واحدة من أخطر مناطق العالم على الإطلاق، فهي مدينة تتواجد فيها بكثافة أجهزة المخابرات العالمية المختلفة، وتضم كمية هائلة من الأسلحة، خاصة أنها كانت لسنوات قاعدة لوجستية لدعم الأفغان في مواجهة السوفييت، وكانت المدينة دائما الملاذ المتوقع لرجال حركة طالبان الذي يخرجون من أفغانستان، أو الرجال القادمين من مناطق مختلفة ليدخلوا أفغانستان، ومع أنها انفصلت سياسيا وإداريا عن أفغانستان منذ أكثر من ستين عاما، إلا أنها نافذة مهمة لأفغانستان على العالم، إن لم تكن الأهم على الإطلاق.

0 التعليقات:

إرسال تعليق