الانتخابات البرلمانية محطة فارقة في تاريخ باكستان


الانتخابات البرلمانية محطة فارقة في تاريخ باكستان
على الرغم من الظروف التي تجري فيها، فإن الانتخابات البرلمانية التي شهدتها باكستان، تكتسب أهمية كبيرة إلى حد قد يجعلها علامة فارقة في تاريخها، لأنها ستسلم السلطة للمرة الأولى، من حكومة منتخبة إلى أخرى.
وشهدت باكستان في الفترة الأخيرة تصاعداً في أعمال العنف بلغ أوجه أثناء الحملة الانتخابية، بقتل قاضي التحقيق المكلف قضية اغتيال رئيسة الوزراء السابقة بينظير بوتو، ثم اختطاف نجل رئيس وزراء سابق خلال مسيرة سياسية.
كما تمت الانتخابات في ظروف سياسية معقدة تتصارع فيها الطائفية والمصالح الفئوية في باكستان، ولعل أهم حدث ميز هذه الانتخابات أن الرئيس السابق، برويز مشرف، لم يشارك فيها بل كان معتقلاً.
وفي رأي كثير من المحللين، فإن منع مشرف -مع التسليم بمساوئه وسلبياته- من خوض الانتخابات يسيء إلى سمعة الديمقراطية في باكستان، قائلين إن مشاركته كانت ستساعد على كشف زيف الشعبية التي يدعيها، وتضع حداً لطموحه في العودة إلى السلطة، غير أن اعتقاله سيعزز من شعبيته.
وإذا كان اعتقال مشرف من أبرز سلبيات هذه الانتخابات، فإن الجانب الإيجابي فيها هو عدم تدخل الجيش فيها، واكتفائه بحماية سير العملية الانتخابية، ما يؤشر إلى أن الديمقراطية في باكستان تتقدم بخطى ثابتة، وإن كان تقدمها يتم بوتيرة بطيئة.
والدليل على ذلك أن المنافسة لم تعد تقتصر على الأحزاب الكبيرة المعروفة في الساحة السياسية، وأنه تم إفساح الطريق أمام قوى جديدة قد تحمل التغيير معها إلى باكستان التي أصبح الاضطراب واحداً من ملامحها الرئيسة خصوصاً في العقد الأخير.
كما جرت الانتخابات في غمرة الحديث عن تألق نجومية لاعب الكريكيت السابق عمران خان، في سماء السياسة الباكستانية، وحديث المحللين عنه باعتباره المنقذ لباكستان مما هي فيه، قائلين إن أعماله ونشاطاته الخيرية تشهد له وتؤهله للعب دور سياسي كبير ومميز، وأنه قادر على الوفاء بما يتعهد به.
كما أن حملته الكبيرة ضد الفساد، وموقفه المعارض بقوة للغارات التي تشنها الطائرات الأميركية من دون طيار، وتهديده بإسقاط تلك الطائرات، قد جعلته متميزاً عن بقية السياسيين وزادت من شعبية حزبه «تحريك الإنصاف».
وقال زعيم حزب الرابطة الإسلامية رئيس الوزراء السابق نواز شريف، انه يعتزم إخراج باكستان من الحرب على «الإرهاب» في حال تشكيله الحكومة المقبلة. ومن الطبيعي أنه كلما قلت نسبة الأصوات التي يحصل عليها حزب «تحريك الإنصاف»، كان ذلك لمصلحة تمكين الرابطة الإسلامية بقيادة شريف أو حزب الشعب بقيادة الرئيس الباكستاني آصف علي زرداري من تشكيل الحكومة الجديدة.
وعلى الرغم من أن خان يردد أنه لن يشارك في حكومة ائتلافية، إلا أنه قد يغير موقفه تحت تأثير إغراء السلطة.
كما أن مشاركته في السلطة تعني إدخال باكستان مرحلة جديدة من الحياة السياسية قد تنعش الآمال في التغيير لدى نسبة كبيرة من الباكستانيين الذين يتطلعون إلى قيادة سياسة وحكومة خاليتين قدر الإمكان من الفساد.
ويرى مراقبون أن نسبة كبيرة من شريحة الشباب التي يسيطر عليها الإحباط ستصوت على الأرجح لمصلحة حزب عمران خان، نظرا لرغبتها القوية في التغيير ومخالفة توجهات الكبار من الآباء والأمهات الذين يميلون بشكل تقليدي إلى الحزبين الكبيرين حزب الشعب وحزب الرابطة الإسلامية. كما أن خان الذي عاش سنوات طويلة من حياته على الطريقة الغربية، يستميل الليبراليين الذين يؤمنون بالقيم والثقافة الغربية. وتلقت الأحزاب والقوى العلمانية الكثير من التهديدات من حركة «طالبان» وجماعات سلفية أخرى متشددة تطالب بالتخلي عن النظام البرلماني الديمقراطي على الطريقة الغربية، واعتماد نظام سياسي جديد على أسس إسلامية.
ويشكو ملايين الباكستانيين أن الحياة السياسية في بلادهم ومنذ عقود احتكار على أسرتين سياسيتين، هما أسرة بوتو وأسرة شريف، اللتين تتصرفان كأن باكستان بكل مقدراتها وشعبها مزرعة عائلية خاصة لهما، وإن كان ذلك من وراء ستار حزبي. وتم اتخاذ تدابير أمنية مشددة لحماية سير عمليات التصويت حيث تم نشر 600 ألف من رجال الشرطة والجيش في مختلف المدن ومراكز الاقتراع.
وقامت لجنة الانتخابات بمراجعة دقيقة لقوائم الناخبين المؤهلين للاقتراع البالغ عددهم 85 مليوناً. ويتردد وراء الكواليس أن المحاكم المختصة رفضت التجاوب مع ضغط الجيش للسماح للجنرال مشرف بالمغادرة. وتوقع مراقبون أن يواجه الاقتصاد الباكستاني مصاعب كبيرة بعد أن يسحب حلف شمال الأطلسي (الناتو) قواته من أفغانستان عام 2014، ما يجعل باكستان بحاجة إلى مساعدات مالية ضخمة لابد للغرب من تقديمها إليها إذا كان راغباً حقاً في إبقاء «طالبان» وغيرها من الجماعات والحركات السلفية والمتطرفة بعيدة عن السلطة وعملية صنع القرار. وتساءل مسئول حكومي: هل يسمح العالم لدولة نووية بأن تقع بأيدي متطرفين وحمقى؟
المصدر: منتديات باكستان

0 التعليقات:

إرسال تعليق