فرمان عسكري باكستاني: الحوار مع طالبان انتهى!

فرمان عسكري باكستاني: الحوار مع طالبان انتهى!
جلس قائد الجيش الباكستاني في مكتب رئيس الوزراء نواز شريف الأسبوع الماضي لتسليم رسالة لا يريد رئيس الحكومة أن يسمعها.. خلاصتها أن وقت المحادثات مع حركة طالبان الباكستانية الإسلامية المتشددة قد انتهى.
وصل شريف إلى السلطة قبل عام وهو يعد بالتوصل إلى تسوية سلمية مع الحركة لكن جولات الحوار تعاقبت دون أن تحقق أي نتيجة ما دفع القوات المسلحة التي تتمتع بنفوذ قوي إلى المطالبة بالحل العسكري.
وأخيرا نفد صبر القوات المسلحة وعصر الثلاثاء الماضي وخلال اجتماع حفل بالتوتر أعلن الجيش فعليا أنه سيتجاهل بندا أساسيا في إستراتيجية الحكومة ويتولى إدارة الأمر بنفسه.
وقال مسئول بالحكومة، اطلع على ما دار في الاجتماع، لرويترز “قائد الجيش والضباط العسكريون الآخرون في الغرفة كانوا واضحين فيما يتعلق بالسياسة العسكرية: حتى آخر رجل وآخر رصاصة.”
وطلب من المسئول تلخيص الرسالة التي أراد الجنرال رحيل شريف توصيلها في الاجتماع فقال “وقت المحادثات انتهي.”
وفي اليوم التالي شنت القوات الباكستانية هجمات جوية نادرًا ما كانت تنفذ مثلها على عناصر حركة طالبان المتحصنين في الحزام القبلي النائي قرب الحدود الأفغانية. ولم يتضحْ ما إذا كان رئيس الوزراء قد أقر هذه العملية، أم لا.
ويوم الخميس الماضي شن الجيش أول عملية برية ضد طالبان في المنطقة ما يقوض محاولات شريف التي بدأت قبل عام لإنهاء التمرد الدموي في مختلف أنحاء البلاد بالوسائل السلمية.
ويعد الخلاف حول أسلوب التعامل مع التهديد الذي يمثله المتشددون أحدث أزمة بين الحكومة والقوات المسلحة وقال مسئولون حكوميون إن العلاقات بين طرفي السلطة بلغت مستوى متدنيا لم تبلغه منذ سنوات.
لكن الحكومة الباكستانية تؤكد أن المحادثات مع طالبان ستستمر.
وقال المتحدث باسم الحكومة الباكستانية برويز رشيد لوسائل الإعلام المحلية: سنتحاور مع من هم على استعداد لذلك والعملية (العسكرية) تنفذ ضد من ليسوا على استعداد للجلوس إلى طاولة المفاوضات.
لكن العمليات أعادت الجيش بكل ثبات إلى صدارة السياسة الأمنية في باكستان. وللقوات المسلحة تاريخ طويل من التدخل في الحكم المدني من المؤامرات إلى الانقلابات.
وبدأ ميزان القوى يتغير في وقت تستعد فيه القوات الأجنبية للانسحاب من أفغانستان وبعد انتخاب زعيم قومي هندوسي رئيسا للوزراء في الهند يعد بأن يعمل على توسيع دور الهند على الساحة العالمية.
وقال عضو في مجلس الوزراء: هذه أوضح علامة حتى الآن على أن الجيش سيملي شروطه الآن.
طالبان تهاجم
ومن المعتقد أن حركة طالبان الباكستانية وراء هجمات على جنود ومدنيين باكستانيين سقط فيها آلاف القتلى في السنوات الأخيرة.
وقد ميز الجيش الباكستاني بين فرقتين في طالبان: الفرقة الأولى، تتمثل في جماعات مفيدة مثل شبكة حقاني مرهوبة الجانب التي لا تهاجم قوات الأمن الباكستانية بل تقاتل في أفغانستان. والثانية، تسعى لإقامة دولة إسلامية.
وفي حين أن الجيش الباكستاني يريد الحرب على جماعات الفرقة الثانية من طالبان فقد تجنب بنسبة كبيرة ورغم ضغوط واشنطن مهاجمة الجماعات التي تشن هجمات على قوى التحالف الغربي في أفغانستان من منطقة وزيرستان الشمالية في باكستان.
وأصبحت طالبان الباكستانية أكثر جرأة وهاجمت الجيش في المناطق القبلية ومن ذلك المعركة التي خاضتها في الآونة الأخيرة وقتل فيها ضابط في الجيش برتبة ميجر. وفي وقت سابق من الشهر الجاري قتل تسعة جنود في انفجار قرب الحدود الأفغانية.
وقال مسئول عسكري: سننتقم لدماء كل جندي. محادثات أو لا محادثات الجيش سينتقم.
حكم العسكر
وحكم الجيش باكستان أكثر من نصف تاريخها. بل إن رئيس الوزراء شريف نفسه أطاح به الجيش عام 1999 خلال فترة سابقة رأس فيها الحكومة.
إلا أن الجيش ابتعد عن السياسة بعد ما لحق به من خزي في أعقاب غارة أمريكية سرية عام 2011 أدت إلى مقتل أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة. كما أيد الجيش أول انتقال ديمقراطي للسلطة في البلاد العام الماضي والذي رفع شريف إلى مركز السلطة.
وناور شريف بكل حرص واختار بنفسه قائدا جديدا للجيش وحاول صياغة شراكة مع القوات المسلحة في الأيام الأولى لحكمه لكن كل هذه المبادرات لم يكن لها أثر دائم يذكر.
تجارة ودبلوماسية
وهناك علامات أخرى على وجود خلاف بين القوى المدنية والقوى العسكرية. فقد وعد شريف عندما تولى السلطة بإعادة بناء العلاقات مع الهند لكنه تعرض لضغوط لتشديد موقفه من المتشددين في الداخل خاصة في الجيش.
وكان البلدان اللذان يملكان أسلحة نووية خاضا ثلاثة حروب منذ استقلالهما عن بريطانيا عام 1947 حربان منها على إقليم كشمير المتنازع عليه في منطقة الهيمالايا.
وكانت الأضواء مسلطة على سياسات شريف تجاه الهند ويبرر بعض قادة الجيش ميزانيته الضخمة بالخطر المحتمل الذي تمثله الهند بينما يقول المنتقدون إن هؤلاء يبالغون في تضخيم هذا الخطر.
وقال مسئولون حكوميون إنه رغم بوادر على أن الجيش أصبح أكثر تقبلا للتواصل مع العدو القديم فقد تم إلغاء صفقة تجارية سعى إليها رئيس الوزراء بهدف تحسين العلاقات مع الهند إثر ضغوط من الجيش.
كذلك يشعر الجيش بغصة بسبب محاكمة قائده السابق برويز مشرف الذي عزل شريف من السلطة عام 1999 وألقي القبض عليه بعد عودته لباكستان للمشاركة في انتخابات العام الماضي.
كذلك فإن العلاقات مع أفغانستان لم تكن قط سهلة لكن بعض المسئولين يعتقدون أن الجيش يريد نسف علاقة الحكومة بالحكومة المستقبلية في كابول فيما يمثل مجازفة بتدهور الأمن الإقليمي في الوقت الذي تستعد فيه قوات حلف شمال الأطلسي للانسحاب هذا العام.
ويحرص قادة الجيش على الحق في إملاء السياسات فيما يتعلق بأفغانستان ويرون أن بعض جماعات المقاتلين مفيدة في الحد من نفوذ الهند.
توترات تطفو على السطح
ورغم أن التوترات تعتمل تحت السطح بين الحكومة والجيش إلا أنها خرجت للعلن الشهر الماضي عندما أطلق مسلحون مجهولون النار على صحفي يتمتع بشعبية كبيرة، وحملت القناة التلفزيونية التي يعمل بها "جيو نيوز" جهاز المخابرات التابع للجيش مسئولية الهجوم.
ولم يعتد الباكستانيون أن توجه انتقادات علنية لمخابرات الجيش وفي رد نادر من المؤسسة العسكرية طالب الجيش بإغلاق القناة أبرز القنوات الإخبارية في البلاد.
وحتى الآن قاومت الهيئة الحكومية التي تتولى تنظيم قطاع الإعلام مطالب الجيش بإلغاء ترخيص القناة وهو ما يرى فيه الجيش علامة مباشرة على التحدي.
وقال مسئول عسكري كبير الكل كان يترقب لمعرفة كيف ستعامل الحكومة الجيش في هذه الأزمة.. كصديق أم عدو؟ لكن الحكومة سمحت للكل بأن يفعل ما يريد.. موسم تصيد للجيش.
وبالنسبة لشريف فإن الحياة تحت ضغط الجيش تمثل مجازفة كبيرة. فالأمر لا يتعلق بقناة تلفزيونية، بل بحرية التعبير وبالعيش في دولة ديمقراطية.
لكن رغم مظهر الشجاعة البادية على الحكومة فإن المسئولين يقولون إن الحكومة تشعر بأنها محاصرة.
وقال أحد كبار المستشارين الاقتصاديين لشريف: لم تشعر الحكومة في العام الأخير بالضعف والانكشاف أكثر مما تشعر الآن. ففي كل مرة يتعين علينا أن نأخذ قرارًا رئيسيا بشأن الهند أو أفغانستان سنضطر للتساؤل عن رد فعل الجيش.
وقال أحد الجنرالات إن قائد الجيش سيختار المؤسسة قبل الدستور إذا لزم الأمر.

وأضاف، كمجتمع ودولة، علينا أن نتجنب سياقا للأحداث يدفع فيه الجيش دفعا لفعل شيء لا يريده.
المصدر : موقع جريدة الأمة
http://al-omah.com/newsDetail.aspx?NewsID=51556

0 التعليقات:

إرسال تعليق