هل تمثل مجزرة بيشاور نقطة تحول في علاقة باكستان بحركة طالبان؟

ليس من السهل التحدث عن نقاط تحول بالنسبة لبلد كباكستان خسر أكثر من 70 ألفا من أبنائه في عمليات إرهابية خلال 13 سنة.
ولكن الهجوم الوحشي الذي نفذه مسلحو طالبان على مدرسة يديرها الجيش في مدينة بيشاور شمال غربي باكستان، والذي راح ضحيته أكثر من 140 من تلاميذ المدرسة، قد يمثل نقطة تحول في بلد طالما اتهمه العالم باستخدام المنظمات الإرهابية كأدوات إستراتيجية.
ففي اليوم التالي للهجوم، وفيما كانت باكستان تندب قتلاها وكانت بيشاور تدفن أبناءها، أعلنت القيادات السياسية الباكستانية عن أنها لن تميز بعد اليوم بين طالبان "الجيدين" و"الأشرار".
وتعهد رئيس الحكومة نواز شريف، الذي كان يتحدث وهو محاط بحلفائه وخصومه السياسيين، بأن البلاد ستواصل القتال حتى مقتل آخر إرهابي.
وفيما كان شريف يقول ذلك، كان رئيس أركان الجيش الباكستاني الجنرال رحيل شريف يجتمع بالرئيس الأفغاني اشرف غني وقادة التحالف الغربي العسكريين في كابول سعيا للحصول على مساعدتهم في محاربة خطر قال إنه “أصاب قلب الأمة الباكستانية.”
فهل تكون هذه الفاجعة نقطة التحول التي ما برحت باكستان تبحث عنها لسنوات؟
قد تكمن الإجابة في تصريح رئيس الحكومة نواز الشريف، الذي تضمن ليس نوايا فقط ولكنه تضمن أيضا اعترافا بأن باكستان اختطت لعدة سنوات سياسة منافقة تجاه المجموعات المسلحة المختلفة التي تتخذ من أراضيها قاعدة لشن هجمات خارج البلاد.
ببساطة، وحسب المنظور الباكستاني التقليدي، فإن المسلحين الذين يستهدفون القوات الدولية في أفغانستان والقوات الهندية في كشمير هم "الطالبان الجيدون"، أما أولئك الذين أعلنوا ولاءهم لتنظيم القاعدة بعد هجمات سبتمبر 2001 ونفذوا هجمات إرهابية داخل باكستان فهم "الطالبان الأشرار".
المشكلة في هذا الطرح تكمن في حقيقة أن مسلحي طالبان لم يعتمدوا أبدا هذا التمييز الذي جاء به صناع السياسة في باكستان. فمجموعات طالبان المختلفة كانت تتعاون تنظيميا وعملياتيا فيما بينها مستفيدة من تخبط السياسة الباكستانية. وفي غضون ذلك، كانت هذه المجموعات تعزز وجودها وتقويه في منطقة القبائل الخارجة عن سيطرة الدولة دون وازع.
وعاد تردد رئيس الأركان السابق الجنرال كياني بالنفع الكبير على تنظيمات طالبان، ففي فترة توليه قيادة القوات المسلحة التي استمرت ست سنوات، واجه كياني انتقادات لاذعة لإخفاقه في بلورة إستراتيجية لمواجهة الإرهاب – حتى بعد أن خولته الحكومة ذلك.
ونتيجة هذا الإخفاق، كان كل هجوم جديد يشنه مسلحو طالبان على الجيش يزيد من نقمة الأخير، ليس ضد الحكومة فحسب بل ضد قيادة الجيش أيضا.
كان هذا هو السبب وراء إسراع رئيس الأركان الحالي الجنرال شريف في شن ما أطلق عليها "عملية عسكرية شاملة" ضد معاقل طالبان في إقليمي وزيرستان الشمالي والجنوبي.
ولكن تجاوب الطبقة السياسية الباكستانية، التي كانت لا تزال موغلة في تخبطها السياسي، مع هذه العملية العسكرية كان فاترا في أحسن الأحوال.
وكان الجنرال شريف قد قال “سننال منهم”، في إشارة إلى طالبان باكستان وطالبان البنجاب وتنظيم القاعدة وغيرها من التنظيمات المسلحة المتطرفة وخصوصا شبكة حقاني. إلا أن الطبقة السياسية آثرت الصمت.
ولكن يبدو أن مجزرة بيشاور الأخيرة قد غيرت ذلك.
فعلى المدى القصير، قد تكون حركة طالبان قد حققت ما كانت ترمي إليه، ألا وهو توجيه ضربة موجعة للجيش. فالمدارس الـ 128 التي يديرها الجيش في باكستان يدرس فيها أكثر من 150 ألف تلميذ، 90 بالمائة منهم أبناء ضباط يخدمون في القوات المسلحة.
لذا فالهجوم جلب الحرب بكل بشاعتها إلى عقر دار الجيش.
كما برهن المسلحون على قدرتهم على التخطيط لهجمات وتنفيذها أينما يريدون رغم ادعاءات الجيش بأنه دمر قدراتهم العملياتية والتنظيمية.
إضافة لذلك، مثلت المجزرة كسبا إعلاميا للمسلحين تجاوز حدود باكستان.
ولكن هذه “الانجازات” تقابلها بشاعة الحرب التي مثلتها مجزرة بيشاور.
فخلف كل تلميذ قتلوه في بيشاور يوجد الغضب واليأس الذي يشعر به المسلحون إزاء ما يعتبره كثير منهم خيانة متعاطف – إن لم نقل حليف – سابق.
فبالنسبة لمسلحي طالبان كانت المجزرة انتقاما مجردا، إذ لم يكن ورائه أي فكر أو نظرة إستراتيجية أو سياسية عدا نظرتهم المبنية على إخضاع الناس بالإرهاب. ويبدو أن مسلحي طالبان غير مهتمين بأن فعلتهم قد تكون دفعت القيادتين السياسية والعسكرية في باكستان إلى إعادة النظر في سياسية "الطالبان الجيدين" و"الطالبان الأشرار".
ولكن الأكثر أهمية بالنسبة لرئيس الأركان الجنرال شريف هو الانحسار الحتمي لأي أثر للتعاطف مع مسلحي طالبان في صفوف الجيش الباكستاني الذي كان مرجعهم قبل عشر سنوات فقط. فهذا التعاطف غسلته دموع المئات من الأسر العسكرية في طول باكستان وعرضها.
هل يعني ذلك أن حربا حقيقية على الإرهاب قد اندلعت أخيرا في باكستان؟
من السابق لأوانه الجزم بهذا، خصوصا إذا أخذنا في الحسبان الطبيعة المعقدة لعلاقة باكستان بحركة طالبان.
ولكنه من الواضح أن باكستان تسعى الآن للانتقام بشكل واضح ولا لبس فيه، وهذا الانتقام قد لا يتأتى إلى عن طريق مبادلة "الطالبان الجيدين" بـ"الأشرار" مع أفغانستان.

وبالنسبة لبلد له تاريخ في استيراد التنظيمات المسلحة لأغراضه الإستراتيجية يعود 35 عاما، قد يكون هذا هو المدى الأقصى لأي نقطة تحول، في الوقت الراهن على الأقل.

0 التعليقات:

إرسال تعليق