لماذا إحياء يوم التضامن مع كشمير؟!

محمد رضا مالك
(( لطالما قدّم الكشميريون تضحيات منقطعة النظير منذ 1947 خلال مسيرة كفاحهم الوطني من أجل نيل الحريّة من الاحتلال الهندي الغاشم. فطوال تلك الفترة، ظلت باكستان الدولة الوحيدة بالعالم التي مدّت يد العنون إلى القضية العادلة للشعب الكشميري. تُحيي الدولة الباكستانية -حكومة وشعبًا- في الداخل وأينما وجدوا عبر العالم، يوم التضامن مع كشمير في الخامس من شهر فبراير من كل عام، في إشارة إلى إعادة التأكيد على قطعهم الوعد بمواصلة دعمهم للأشقاء الكشميريين المستمرّون في نضالهم السلمي لنيل حقّهم الراسخ في تقرير المصير من خلال الوعد الذي قطعه المجتمع الدولي، بما فيه الهند، على نفسه.

إنّما يهدف إحياء هذا اليوم - منذ عام 1990- توجيه رسالة قوية إلى الهند المغتصبة بأنّ الكشميريين ليسوا وحدهم في هذا الكفاح العادل، وأنّها سوف تضطرّ عاجلًا أو آجلًا لمنحهم الحق في اختيار مصيرهم بأنفسهم حسبما أقرّت ذلك جميع القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة. يعقد الباكستانيون في ذلك اليوم ندوات ومؤتمرات ويسيّروا مظاهرات. وهكذا يتم من خلال تلك الأنشطة إبراز الجوانب الهامة للنزاع الكشميري والانتهاكات الجسمية لحقوق الإنسان المرتكبة على يد القوات الهندية داخل إقليم كشمير المحتل. وفي الوقت ذاته، يتم تذكير المجتمع الدولي بأنّ تسوية النزاع الكشميري أمر حتمي لحفظ السلام والاستقرار في جنوب القارة الأسيوية.

هناك الكثير من الأسباب المشروعة والأصيلة لتعبير الشعب الباكستاني عن تضامنهم مع أشقائهم الكشميريين المضطهدين، كون كليهما تربطهما أواصر قوية من حيث الدين، وجغرافيا المكان، والثقافة، والطموحات، والاقتصاد. إنّها حقيقة تاريخية أنّ الهند قد احتلّت دونما أدنى شرعية إقليم جامو وكشمير بقيامها بنشر قوات في سرينجار في السابع والعشرين من أكتوبر من عام 1947، بما يتناقض مع رغبات الشعب الكشميري وفي تجاهل تام لخطة تقسيم شبه القارة الهندسية التي تخلّف عنها تأسيس دولتين مستقلتين جديدتين – هما: باكستان والهند. لقد منحت خطّة التقسيم للولايات الأميرية حق اختيار الانضمام إلى أي من الدولتين الوليدتين. ونظرًا لكونها ولاية ذات أغلبية مسلمة، قرّر إقليم جامو وكشمير الانضمام كجزء من باكستان، غير أنّ الحكّام الهنود في تآمر واضح مع الحكّام البريطانيون والمهراجا هاري سينغ دمّروا مستقبل ملاييني الكشميريين تحت ما يسمى بـ "وثيقة الانضمام". هذا فيما يرفض كثيرون من المراقبين المحايدين، بما يشمل المؤرخ البريطاني الشهير أليستر لامب، وجود مثل تلك الوثيقة المزعومة، مدافعًا عن ذلك بأنّه إذا كانت حقًا ثمة وجود لتلك الوثيقة، لكانت الهند أعلنتها على الملأ من خلال بعض المحافل المحليّة أو الدولية.

منذ عام 1947، كان الاحتلال الهندي الغاشم سببًا للآلام المستمرة لشعب إقليم جامو وكشمير. ونتيجة لغطرسة القوات الهندية، هاجر مئات الآلاف من الشعب الكشميري إلى باكستان من الإقليم المحتل، في حين تمثّلت القوة الدافعة الرئيسية لهجرتهم في مشاعرهم القوية في الانضمام إلى الدولة الباكستانية. لقد قبل بهذا الانضمام أول رئيس وزراء هندي – جواهرلال نهرو. فعندما وجّه إليه سؤالًا عام 1965 حول عقد استفتاء شعبي في كشمير، ردّ قائلًا: "سوف يصوّت الكشميريون على الانضمام إلى باكستان، وسوف نخسرها. وهنا لن تستمر أية حكومة هندية تتحمل مسئولية الموافقة على عقد ثمة استفتاء شعبي."

وعلى نحو مماثل، من الممكن قياس الارتباط الأيديولوجي فيما بين باكستان وإقليم جامو وكشمير من خلال حقيقة تمرير مؤتمر مسلمي إقليم جامو وكشمير ثمة قرارًا خلال انعقاد اجتماعهم في سريناجار في التاسع عشر من يوليو من عام 1947، لصالح انضمام إقليم جامو وكشمير إلى باكستان. لقد وقعت تلك التطوّرات بعد مرور حوالي شهر واحد فقط قبل إعلان تأسيس دولة باكستان. فقد دأب شعب الإقليم المحتل على رفع ثمة شعارات مثل "باكستان زنده باد (تحيا باكستان)" و"نحن نريد باكستان" فيما بين الحين والآخر، على الرغم من الميل الوجداني الغامض لدى الكشميريين إلى باكستان. فيما تُرفع أعلام باكستان في إقليم جامو وكشمير أيام الأعياد الوطنية لدولة باكستان، فيما تعتبر الأعياد الوطنية للهند بمثابة أيامًا سوداء.

لم يخُنْ قادة باكستان مطلقًا الإيمان الذي يضعه الشعب الكشميري فيهم. إنّما كان التزامه بمصالح الشعب الكشميري الدافع لوالد الأمة القائد الأعظم محمد علي جناح، ليزور إقليم جامو وكشمير ثلاث مرّات قبل عام 1947 (عام 1926، وعام 1936، وعام 1944). لقد قال صدقًا أنّ كشمير "حبل الوريد" بالنسبة لباكستان. فيما تعهّد رئيس الوزراء الأسبق ذو الفقار علي بوتو بخوض حرب الألف عام من أجل كشمير وطالبت باكستان مجدّدًا بضرورة تسوية النزاع على إقليم كشمير بما يتفق مع تطلّعات الكشميريين من لأجل الحفاظ على عموم السلام الدائم في جنوب القارة الأسيوية. هذا فيما دأب رئيس الوزراء محمد نواز شريف منذ توليه مهام منصبه في يونيو 2013 على الدعوة إلى تسوية جميع القضايا المعلّقة فيما بين باكستان والهند، بما يشمل النزاع على كشمير من خلال عملية الحوار السلمي. لقد شارك في مراسم قسم اليمين التنصيب لـ "ناريندرا مودي" آملًا من جانبه في أن تساعد تلك المبادرة الدولتين على إنهاء خلافاتهما. بينما رفضت الهند مؤخرًا استئناف المفاوضات التي كانت نيودلهي قد أعلنت تعليقها في أغسطس 2014، زاعمة انعقاد اجتماعات في العاصمة الهندية فيما بين المفوّض السامي الباكستاني عبد الباسط وقادة الحريّات الكشميريين. إنّما يعكس ذلك أنّ باكستان لن ترتبط بعلاقات مع الهند على حساب مصالح الشعب الكشميري.

إنّما تتمثل الجوانب البائسة للأمر في أنّ الهند – من جانب – ترغب في ممارسة ضغوطًا على باكستان كي تتوقف عن دعمها للقضية الكشميرية، بينما على الجانب الآخر، تستخدم أساليبها الوحشية القمعية في كبح النضال العادل للكشميريين من أجل تأمين حقهم في تقرير المصير. فمنذ عام 1989، عندما صعّد الشعب الكشميري من كفاحهم من أجل التحرير، قتلت القوات الهندية ما يقرب من مائة ألف من الكشميريين الأبرياء، فيما اختفى آلاف آخرون قسريًا. وخلال الانتفاضة الشعبية التي نشبت داخل إقليم كشمير من عام 2008 و 2010، خرج مئات الألوف من الشعب الكشميري إلى الشوارع في سريناجار وغيرها من المدن الأخرى داخل إقليم كشمير المحتل مطالبين بحقهم الراسخ. غير أنّه، بدلًا من إظهار الاحترام لمشاعر تلك الجموع، ردّ أفراد القوات الهندية باستخدام القوة المفرطة، ما أسفر عن مقتل ما يزيد عن مائتي شخص خلال تلك الفترة. وفي الوقت ذاته، تعقد نيودلهي الانتخابات الدراماتيكية داخل إقليم كشمير المحتل لتضليل الرأي العام العالمي حول النزاع الكشميري، مع استمرار تدهور انتهاكات حقوق الإنسان داخل الإقليم المحتل. فيما يتبنى رئيس الوزراء الهندي الحالي، ناريندرا مودي، موقفًا أكثر تشدّدًا من القضية الكشميرية؛ حيث نجده يتحدّث عن إلغاء المادة (370) من الدستور الهندي التي تمنح وضعية خاصة لإقليم جامو وكشمير. إنّه لديه أجندة معادية تمامًا لكشمير تتمثل في الدمج الكامل لإقليم جامو وكشمير مع الهند، مع العمل على تغيير تركيبته السكانية. وللأسف، نجد المجتمع الدولي يغض الطرف عن ممارسات الهند في كشمير، والتي أسفرت عن مزيدًا من المعاناة المستمرة للشعب الكشميري.

في ضوء هذه الحقيقة القاسية نجد أنّ كشمير قد أصبحت محورًا للعنف النووي، كون النزاع قائمًا بين جارتين نوويتين – الهند وباكستان – وبذلك يتحمّل المجتمع الدولي مسئولية إدراك حساسية القضية. بل يتعيّن عليه إدراك حقيقة أنّه بفضل الموقف الهندي غير الواقعي والمتصلب، يعتبر السلم والاستقرار في جنوب القارة الأسيوية برمّتها على المحكّ.


هذه الأسباب وراء إحياء يوم التضامن مع كشمير. إنّ الخامس من فبراير من كل عام يعتبر بمثابة تذكير للقوى العالمية بضرورة ممارسة نفوذهم على نيودلهي لتسوية النزاع على إقليم كشمير. وفي الوقت ذاته، لابد من الإقرار بالتضحيات الكبيرة للشعب الكشميري، بالإضافة إلى التأكيد على تعنيف الهند على عدم احترام قرارات الأمم المتحدة والاستمرار في ممارسة انتهاكات حقوق الإنسان داخل إقليم كشمير المحتل. إنّما يُذكر يوم الخامس من فبراير العالم أجمع بالضرورة الملحّة للتسوية العاجلة للنزاع الكشميري لحفظ السلام والأمن العالمي.

0 التعليقات:

إرسال تعليق