ورثَ الباكستانيون بعض عادات وتقاليد الهند، وخصوصاً تلك المتعلقة بالزواج
والأسرة. على سبيل المثال، يُمنع تعدّد الزوجات في البلاد إلا بإذن الزوجة الأولى.
لا يتعلق الأمر برجال الدين، بل يمنع الدستور الباكستاني الرجل من الزواج بأخرى، إلا
بعد الحصول على إذن زوجته الأولى.
وعلى الرغم من أن علماء الدين والجماعات المسلحة تُعارض القانون، منذ
استقلال باكستان عن الهند عام 1947، فإنه ما زال يطبّق حتى اليوم. من جهة أخرى، يُعدّ
الزواج الثاني أمراً غير مألوف في باكستان. وعادةً ما ينبذُ المجتمع الشخص الذي يلجأ
إلى الزواج بامرأة أخرى من دون وجود مبرّر، كالطلاق أو وفاة الزوجة الأولى أو عدم الإنجاب.
وطالب مجلس الفكر الإسلامي، الذي يرأسه محمد خان شيراني، الحكومات المتعاقبة
بإلغاء القانون الذي يُخالف مفاهيم الدين الإسلامي، ولا يتماشى مع المجتمع. إلا أن
برلمان إقليم البنجاب، أحد أكبر الأقاليم في باكستان، لم يكتفِ بمنع تعدد الزوجات إلا
بعد الحصول على إذن الزوجة الأولى فقط، بل نص على فرض عقوبة السجن لمدة عام واحد مع
غرامة مالية، قدرها 500 ألف روبية (نحو خمسة آلاف دولار) على كل من يتزوج مرة أخرى،
من دون إذن الزوجة الأولى.
قرارٌ أثار استياء علماء الدين مجدداً، وطالبوا الحكومة بعدم تنفيذه وتعديل
الدستور. وقال رئيس مؤتمر علماء باكستان طهر أشرف، إن "مثل هذه القوانين لا تمت
إلى الإسلام بصلة، بل تعارضُ مفاهيم الدين الحنيف. لذا يجب على الحكومة أن تهتم بالأمر،
وتعمل على إلغاء جميع القوانين التي تعارض الإسلام، وتخلف آثاراً اجتماعية سيئة".
من جهته، طالب رجل الدين مفتي نعيم المجتمع بالتمسك بتعاليم الإسلام،
منها تعدد الزوجات، وعدم اشتراط إذن الزوجة الأولى للزواج بثانية. واستغرب إقرار مثل
هذه القوانين، علماً أن المجتمع الباكستاني يعاني من مشاكل كثيرة، يجب العمل على إيجاد
حلول لها.
وتجدر الإشارة إلى أن برلمان إقليم البنجاب فرض عقوبة شديدة على الآباء
والأمهات، وكل من يساهم في زواج القاصرات من علماء وشيوخ القبائل. ونص على عقوبة الحبس
لمدة ستة أشهر بحق المتورطين في زواج القاصرات، مع غرامة مالية قدرها 50 ألف روبية
(نحو 500 دولار).
وفيما رحب رجال الدين والمجتمع الباكستاني بصفة عامة، بقرار البرلمان
المتعلق بالقاصرات، باعتبار أن هذه الظاهرة دمرت وتدمر حياة آلاف الباكستانيات، ولا
سيما في المناطق النائية، استنكر هؤلاء، وخصوصاً رجال الدين، الشق المتعلق بالزواج
بامرأة ثانية.
وعادة ما يكون لمثل هذه القرارات، التي تتعلق بحياة الناس الاجتماعية،
أثر كبير على حياة المواطن الباكستاني في بعض المناطق، وخصوصاً في إقليمي البنجاب والسند
المجاورين للهند، حيث يعد الزواج بامرأة أخرى أمراً غير مرغوب فيه بحكم التقاليد السائدة.
لكن الأمر يختلف تماماً في إقليم خيبربختونخوا المجاور لأفغانستان، وتقطنه قبائل البشتون
الأكثر ميولاً إلى تطبيق تعاليم الإسلام، وتعدد الزوجات، بالإضافة إلى إقليم بلوشستان
الواقع في جنوب غرب باكستان، والذي تقطنه قبائل البلوش والبشتون معاً. ويعد تعدد الزوجات
أمراً عادياً، بحكم الأعراف والتقاليد البلوشية والبشتونية.
في مقابل هذه الانتقادات، رحبت بعض المؤسسات الحقوقية، وتلك المعنية بحقوق
المرأة بقرار إقليم البنجاب، وحثت المجتمع عموماً والمرأة خصوصاً على الالتزام بالقانون
الذي ينصف النساء. وتقول إنه من حق المرأة منع زوجها من الزواج بثانية، إلا عند الضرورة
القصوى.
ويرى البعض أن منع تعدد الزوجات يدفع الشباب إلى "خيانة زوجاتهم"،
بالإضافة إلى تفشي ظاهرة العنوسة، التي أدت إلى كثير من المشاكل الاجتماعية.
في السياق، يرى الناشط الحقوقي منير أحمد، أن أحد أهم أسباب تفشي العنوسة
في المجتمع الباكستاني، هو العادة السيئة التي ورثتها باكستان عن الهند، إذ لا يحق
للرجل الزواج أكثر من مرة في حياته إلا بعد وفاة الزوجة الأولى أو تطليقها.
ويشير إلى ضرورة تغيير التقاليد الهندية السائدة في المجتمع الباكستاني،
معتبراً قرار برلمان إقليم البنجاب خطوة لا تتماشى مع مفاهيم الإسلام، وأنه أتخذ بسبب
ضغوطات تمارسها بعض المؤسسات التي تعنى بحقوق المرأة محلياً ودوليا. ويطالب أحمد الحكومة
الباكستانية والمجتمع المدني بالوقوف في وجه هذا القرار، الذي لا يصب في مصلحة المجتمع.
العربي الجديد - إسلام آباد ــ صبغة الله صابر
0 التعليقات:
إرسال تعليق