النهوض الصيني يتسارع بينما أمريكا تطالع في الجانب الآخر

النهوض الصيني يتسارع
بينما أمريكا تطالع في الجانب الآخر
بقلم: جديون راتشمان
إن كون المرء "عدواً للصين" تجربة غير مريحة. فقبل نحو خمس عشرة سنة انزلقت إلى هذا الدور على غير قصدٍ مني، حين كتبت مقال الغلاف في أحد أعداد مجلة "الإيكونومست" بعنوان "احتواء الصين".
شعر الصينيون بانزعاج من هذا الاستخدام "للغة الحرب الباردة". وأثناء رحلة إلى بكين في ذلك الحين، حاولت ما وسعني تبرير موقفي غير المريح، وهي مهمة زاد من صعوبتها أن كثيراً من الرسميين الذين التقيت بهم كان يبدو أنهم غير قادرين على فهم الفرق بين كلمة "الاحتواء" وكلمة "التدمير". وأذكر أنني حاولت بكل طاقتي شرح الفرق بين الكلمتين أثناء مأدبة رسمية، باستخدام كأس من الماء. قلت لهم إن كأس الماء يحتوي على السائل، لكنه لا يهاجمه. لكن كانت تبدو عليهم علامات الشك وعدم الاقتناع.
وبعد ذلك بعشر سنوات عدت إلى بكين، بعد أن قمت بخطوة ذكية واتخذت هذه المرة هوية جديدة هي كاتب عمود في "فاينانشيال تايمز". ويبدو أن الضجة هدأت. فخلال الفترة المذكورة ازداد حجم الاقتصاد الصيني إلى الضعف، وتحول مشهد بكين من بعيد إلى منظر يختلف بصورة هائلة عن ذي قبل.
لكن الغريب في الأمر أن الأسئلة الاستراتيجية الكبرى حول صعود نجم الصين باعتبارها قوة عظمى ظلت إلى حد كبير دون تغيير. فهل سيكون للصين "صعود سلمي"، كما يصر المسئولون فيها؟ أم أن القوة الصينية المتنامية وطموحها المتزايد سيضعان الصين مستقبلا في صراع مع الولايات المتحدة أو اليابان؟ وما مدى خطورة التهديد الصيني باستخدام القوة للوقوف في وجه استقلال تايوان؟ وإلى متى يستطيع الحزب الشيوعي أن يظل في الحكم؟
الأسئلة الكبرى تظل دون جواب، لكن لا يعني هذا أنه لم يطرأ أي تغيير على الأمور. فقد شهد العقد الأخير على الأقل ثلاثة تطورات رئيسية تظهر القوة العالمية المتنامية للصين. الأول، الطريقة التي تعمل بها الصين على إزاحة اليابان واحتلال مكانتها باعتبارها المركز الدبلوماسي والاقتصادي لآسيا. والثاني، القوة المتنامية للجيش الصيني. والثالث، حقيقة أن الصين تطور الآن مصالح استراتيجية عالمية.
واتضح المدى العالمي الذي وصلت إليه الصين بكل جلاء من الجولة التي طاف خلالها الرئيس الصيني السابق، هو جينتاو، ثمانية بلدان إفريقية. فقد أظهرت عزمه على تأمين الموارد المعدنية وموارد الطاقة التي تحتاج إليها بلاده. وأظهرت الصين أيضا تطورها العسكري المتزايد من خلال تدميرها أحد أقمارها الصناعية. كذلك اتضح نفوذ الصين الجديد داخل آسيا، حينما اكتشفت اليابان أن بلدا آسيويا وحيدا، سنغافورة الصغيرة، كان مستعدا لإظهار دعمٍ قويٍ لمسعى اليابان للحصول على عضوية دائمة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة. أما البقية فالتزمت الصمت مراعاة لعداء الصين لليابان.
جميع هذه التطورات مفتوحة على كل التفسيرات الحميدة والخبيثة. ويمكن ببساطة اعتبار تجربة الصاروخ أمر تفعله الدول خلال محاولتها تطوير قدراتها العسكرية. وبصورة أعم، يمكن أن يكون تعزيز القدرات العسكرية في الصين مجرد انعكاسٍ لنمو الثروة في البلاد.
لكن هناك أيضاً طريقة أكثر سوداوية للنظر من خلالها إلى تجربة الصاروخ. ويمكن لهذا أن يكون إشارة متعمدة للولايات المتحدة بأن بمقدور الصين، في أي صراع مستقبلي حول تايوان، أن تزيل القمر الصناعي الاستخباري، بالغ الأهمية للعسكرية الأمريكية.
وسيكون على أمريكا أن تحارب وهي في حالة من العمى. ويعتقد بعض المحللين العسكريين أن عمليات البناء العسكري في الصين ـالتي تشمل زيادة هائلة في الصواريخ البالستية القادرة على ضرب تايوانـ قلب الموازين لصالح الصين في أي صراع عسكري عبر مضيق تايوان.
وتصرفات الصين في إفريقيا ذات تفسير مزدوج هي الأخرى. والناحية الإيجابية فيها أن الصينيين يجلبون التجارة والاستثمار إلى أفقر قارةٍ في العالم. أما الجانب السلبي فهو أن بكين سعيدة للتعامل مع بعض أكثر الحكومات الإفريقية سوءا، ومن ضمنها السودان. فهي لم تفعل أي شيء تقريباً للضغط على الخرطوم فيما يتعلق بدارفور ـ والصين هي أكبر مورد للأسلحة إلى الحكومة السودانية، وأكبر مشاريعها النفطية في الخارج في السودان.
كذلك النفوذ المتزايد للصين داخل آسيا مفتوح للتفسير المتفائل والمتشائم. وتشعر اليابان بقلق واضح منذ أعمال الشغب المعادية لليابانيين في الصين عام 2005، بينما تبدو معظم البلدان الآسيوية الأخرى مسترخية إلى درجة معقولة. والنمو السريع لاقتصاد الصين يعتبر فرصةً كبرى، وتبذل بكين جهوداً جبارة للتفاوض حول الحلول لمختلف نزاعاتها الحدودية. لكن كما عبر سياسي فيتنامي رفيع المستوى: "مع وجود الصين جارة لك، فإنك دائماً بحاجة للنوم بعين مفتوحة". والاستثناء الكبير لهذه القاعدة هو تايوان. فالخطاب الصيني بشأن هذه المسألة يبقى صريحا بدرجة مروعة. فقد أبلغ مسئول صيني رفيع المستوى مجموعة من الأمريكيين والأوروبيين زرت معهم بكين قوله: "بجملة واحدة: استقلال تايوان يعني الحرب". وقبل سعة أعوام، تحدث جنرال صيني بصراحة أمام صحفيين أجانب حول استخدام الأسلحة النووية على "مئات" من المدن الأمريكية في حال نشوب نزاع. ويبدو هذا مخيفاً، لكن الصينيين يلوحون بسيوفهم فوق تايون منذ عقود.
وإذا كان من جديد، فهو أن الهياج حول هذه المسألة خفّ في الفترة الأخيرة. وحاول الرئيسرالأمريكي السابق جورج بوش علناً أن يثني التايوانيين عن السعي من أجل الحصول على استقلال رسمي. وبدا الرئيس الصيني السابق هو جينتاو أوسع صدرًا من الزعماء الصينيين السابقين في مسألة الاستيلاء على تايون.
ولا يزال الأمريكيون يجدون أن من الصعب عليهم وضع أيديهم في ماءٍ باردٍ فيما يتعلق بمسألة نهضة الصين، وذلك أمر مفهوم. وفي العقود الماضية غالبا ما أدت نهضة قوة عالمية جديدة إلى نشوب حرب. والصين حكومة سلطوية يمكن أن تبدو عدائية للغاية، لكن التحدي الصيني يبقى تحدياً على المدى الطويل.
وفي غضون ذلك، لدى الولايات المتحدة قضايا أكثر إلحاحاً يمكنها أن تقلق بشأنها. وكان ملاحظا في بكين أن الأمريكيين الذين كانوا ضمن المجموعة التي كنت أحد أفرادها ـ مفكرون من معهد بروكنجز ومسئولون حكوميين سابقون ـ وجدوا أن من الصعب عليهم أن يواصلوا تركيزهم على الصين حصرياً. فالحديث الذي كان يجرى في الحافلة، أو في الحانة، كان يتحول بسرعة نحو العراق، مع أحاديث فرعية عن إيران والانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة.
وحين تسلم الرئيس بوش السلطة وضع سياسة الصين على قائمة أولوياته. لكن هجمات 11 سبتمبر 2001 الإرهابية غيرت ذلك كله. ويعتبر انشغال أمريكا بالشرق الأوسط فرصةً كبيرةً بالنسبة لبكين تتيح لها مواصلة بناءها العسكري وتوسيع انتشارها الدبلوماسي دون مواجهة أي معارضة حقيقية.
إن الصين بالفعل تنافس الولايات المتحدة بضراوة عبر عدد من الجبهات، من السعي وراء الحصول على مصادر الطاقة، إلى تأسيس شبكات دبلوماسية. وإذا قررت الولايات المتحدة أن ترفع نظرها عن الشرق الأوسط، فستجد نفسها أمام صين في مقامٍ أعلى بكثير، وأكثر أهمية. 

0 التعليقات:

إرسال تعليق