جيش الصين السري


تجار ووسطاء يصيغون العالم وفق تصور بكين
جيش الصين السري
واكب صعود وبروز الصين في السنوات الأخيرة ظهور نوع أدبي جديد في التأليف تزايدت وتيرة صدوره، يسعى لتفسير التحولات الدولية في مجال القوة والنفوذ الذي بات يميل لمصلحة الشرق. ويعد هذا الكتاب «جيش الصين السري» مساهمة طموحة في ذلك الحقل من التأليف الذي بات يشهد ازدهاراً. وهذا الكتاب من تأليف صحافيين اسبانيين سافرا إلى أركان الأرض الأربعة لدراسة تأثيرات النفوذ الذي حققته الصين أخيراً.
والمؤلفان خوان بابلو كاردينال وهيربيرتو آراوجو، تظهر عناصر القوة لديهما عند سرد تجارب من غادروا بلدهم الصين إلى بلدان أجنبية ومناطق نائية تمتد من الأحياء الشعبية في القاهرة إلى حقول الغاز في تركمانستان.
نصف الكوب
ولقد ظلت الصين منذ فترة طويلة تعد بأنها مرآة يرى فيها زوارها تطلعاتهم، فمن يرى منهم نصف الكوب الممتلئ يقول إنه تم إخراج مئات الملايين من حالة العوز والفقر وباتوا الآن يعيشون ظروفاً أفضل، ويبدو ذلك في استخدامهم لخدمات الانترنت، وزيادة قوتهم الشرائية أما النقطة الأقل ايجابية فتتمثل في التجاوزات الروتينية في مجال حقوق الإنسان، وتقييد حرية التعبير، وتفشي الفساد، وكلا النظرتين محقة، فالأمر يعتمد على الطريقة التي ننظر بها وما نرغب في رؤيته.
وينطبق القول ذاته على علاقات الصين مع بقية دول العالم وتواصلها مع تلك الدول، وفقا لهذا الكتاب، حيث يدعى الكاتبان أن الصين تعتبر الآن في أعلى مراحل توسعها عبر العالم. ويشيران إلى أن العالم يواجه غزواً بطيئاً وان كان مستمراً، وان الصين شرعت مسبقاً في وضع أسس النظام العالمي الجديد للقرن الحادي والعشرين أي «عالم تحت قيادة الصين».
تأثير متزايد
ويقدم الصحافيان بأسلوب يجذب القارئ صورة للتأثير المتزايد للصين في كل ركن في العالم من حقول الغاز في تركمانستان إلى أسواق دبي والأحياء الشعبية في مصر، والمناجم في الكونغو، وهما يجدان في تلك الرحلة أن العمال الصينيين يحصلون على ما يستطيعون الحصول عليه من زبائنهم الأجانب، ومن طبقات الأرض.
وقد بدأ وصول البضائع والعمال من الصين يغير كيفية التعاملات التجارية، فقد سيطر التجار الصينيون على الشارع الرئيسي في العاصمة السنغالية داكار الذي بات يعرف باسم بوليفار ماو، كما أنهم بدئوا يستنزفون مناجم أحجار اليشم الكريمة والغابات في بورما. وقد شكا منهم أحد المواطنين الأرجنتينيين قائلا «إن الجالية الصينية في الخارج تبدو كجمعية ماسونية كبرى، وقد بدأنا نشعر بأننا نعيش في مستعمرة صينية». وهو قول ردده عامل مناجم بيرو في اشترت شركة صينية مملوكة من الدولة المنجم الذي يعمل فيه و«المدينة».
وهنالك الكثير الذي يستدعي الشكوى فالعديد من الشركات الصينية تجلب معها عمالها إلى أفريقيا ويقال إنها تعامل العمال المحليين بطريقة سيئة عندما تضطر إلى تشغيل بعضهم، كما أن الأضرار البيئية تتزايد، وعدم تعرض الشركات الصينية للمحاسبة في وطنها يمتد إلى وجودها في الخارج، حيث تتعاون معها النخب المحلية.
المعجزة الصينية
ويعد ما سبق تلخيصا مهماً لبعض أسوأ التجاوزات الصينية في بعض إرجاء العالم غير أن المبالغة أحياناً ما تضعف الحجج التي يقدمها الكتاب، إذ يدعي الكاتبان أن جميع فرص العمل التي خلقت وتشييد البنى التحتية والبضائع الزهيدة الثمن التي تم توفيرها «غطى عليها دون شك معالجتها لقضية الظروف التي يعمل تحتها العمال». ولكنهما يتجاهلان حقيقة أن الاستثمارات الصينية أحدثت تغييراً ايجابياً بالإضافة بالطبع إلى بعض المشاكل، كما يشيران أيضاً إلى أن «المعجزة الصينية» التي تحققت في الداخل استفادت منها النخبة السياسية. وهو ادعاء يسهل الردّ عليه بكل بساطة بالتجوّل في إرجاء أي مدينة صينية.
وكان المؤلفان كاردينال واراوجو قد عملا في الصين كصحافيين، ولديهما تجربة أثناء تغطية ما يجري هناك، حيث عانى من سلوك وتصرفات بعض المسئولين. ويمكن بسهولة تفهم غضبهم تجاه ذلك السلوك وتلك التصرفات. ولكن للأسف فإن البحث الجيّد الذي يظهر في هذا الكتاب يقلل من قيمة التلميحات التي تشير إلى الأجندة السرية الصينية الهادفة إلى السيطرة على العالم. وربما كان هذا الأمر ناتجا في جزء منه من ترجمة النص عن الاسبانية التي صدر بها كتاب في الأصل.
بيد أن الملاحظ هو أن تلك التلميحات على وجود أهداف خفيّة تقترب بصورة مزعجة إلى أن تكون نوعا من أنواع المشاعر المعادية للغرباء.
أذرع أخطبوطية
فالوجود الصيني المتزايد في العديد من الدول تتكرّر الإشارة إليه على أنه «غزو» أو تمدد «أذرع بكين الأخطبوطية». وتوصف الاستثمارات الصينية في أميركا اللاتينية على أنها «حصان طروادة». كما وصف تشييد خط أنابيب للغاز عبر منطقة آسيا الوسطى بأنه «خطوة أخرى في إستراتيجية الصين لكي تصبح حاكمة وسيدة المنطقة برمتها». بينما نجد أنه وفقا للمؤلفين فإنه «لا شك أن تشييد البنية التحتية يلعب دورًا إستراتيجيا في غزو الصين السري للعالم».
بل إنه حتى عنوان الكتاب يوحي ضمنيا بأن كافة المهاجرين الصينيين ينتمون إلى طابور خامس وسوف يكشفون يوما ما عن ولاءاتهم الحقيقية، والنهوض للمساعدة في تحقيق هدف بكين السري للسيطرة على العالم.
وفي خاتمة الكتاب يشير المؤلفان إلى أن «تقدم الصين الذي لا يهدأ» عبر دول العالم النامية يمكن أن «ينظر إليه على أنه مقدمة لغزو مستقبلي للأسواق الغربية وفي نهاية المطاف ميلاد نظام عالمي جديد تسيطر عليه بكين».
وتلك التحذيرات المخيفة لا تدعمها العديد من الروايات الفردّية التي يقدمها هذا الكتاب. وأحد الأمثلة على ذلك رواية حفيد أحد المهاجرين الصينيين في جنوب أفريقيا الذي قال «عندما أنظر في المرآة فإنني أرى وجها صينيا، ولكننا مولودون في جنوب أفريقيا، وظللنا هنا طوال حياتنا، وأنا أذهب إلى الصين مرة واحدة في كل عام لشراء البضائع، ولكنني لست معتاداً على أسلوب الحياة في الصين، فهي ليست وطني».
روايات مسلية
والمؤلفان يقدمان العديد من الروايات المسلية حول أسفارهما، وعلى الرغم من أن الكتاب يتنقل بسرعة من مكان إلى آخر كثيراً، أي من آسيا الوسطى إلى أفريقيا، وبعدها إلى أميركا اللاتينية والعودة مجدداً بعد صفحتين، إلا أن نوعية التوثيق في «جيش الصين السري» تثير الإعجاب، فالروايات المتعاطفة للمهاجرين العاديين وتجاربهم تقدم لمحات أعمق لأوضاعهم.
وفي حالات عديدة يشير المؤلفان إلى أن السلوك السيئ الذي يبدر عن بعض الشركات الصينية في الخارج غالباً ما يعود إلى استعدادها للتوصل إلى عقد صفقات فاسدة مع النخب المحلية، التي تستفيد مباشرة من تلك الصفقات بينما لا يحصل المواطنون على شيء، وفي واقع الأمر فإن ضعف الحوكمة في الصين هو الذي يتيح للشركات الصينية، بل وحتى تلك المملوكة للدولة للتصرف بطريقة سيئة في سعيها لتحقيق الربح في الخارج.
وعليه فانه كان على المؤلفين التركيز على هذه النقطة بدلاً من التلميح إلى أن النفوذ المتزايد للصين في أنحاء العالم هو نتيجة مخطط سري غريب.

0 التعليقات:

إرسال تعليق