اليـوم الأسـود الدامـي فـي قلـب دمشـق


اليـوم الأسـود الدامـي فـي قلـب دمشـق
Ø  300 قتيل وجريح: هل تطيح الرسالة المفخخة
 بفرصة الحوار السوري بين السلطة والمعارضة؟
ثلاثمائة قتيل وجريح في قلب دمشق. في الحادية إلا عشر دقائق تقريبا صعق انفجار سيارة يقودها انتحاري قلب العاصمة السورية، وأطلق كتلة دخان سوداء كثيفة، ربما تحيط مستقبلا بكل الجهود المبذولة لتحريك عملية سياسية تنهي المأساة السورية التي اقتربت من اجتياز عامها الثاني.
الرسالة المميتة، في الخميس الأسود، وفق حصيلة وزارة الصحة السورية بلغت 53 قتيلا، مرشحة للارتفاع نتيجة حال عشرات الجرحى الميئوس منهم، وبلغوا 235 شخصا، من المدنيين وطلاب مدرسة قريبة. وذكر المرصد السوري لحقوق الإنسان، في بيان، إن 59 شخصا قتلوا في التفجير.
ويأتي التفجير بعد ساعات من تزايد التفاؤل بإمكانية إجراء حوار لحل الأزمة بين السلطة السورية والمعارضة، بضغط روسي - أميركي. «هذه العقول المجرمة يمكن أن تتسبب في مقتل أي جهد سياسي أو عملية حوار» يعلق أحد الديبلوماسيين ممن تصادف وجودهم في دمشق ساعة التفجير، وصعقوا بحجمه ومكانه. لكن موسكو التي تضررت سفارتها في شارع المزرعة، لا تبدو حتى الآن بصدد التراجع عن جهودها في هذا الإطار، رغم مخاوفها من التأثيرات التي تحدثها هذه الهجمات على المواطنين، أيا كان توجههم.
وأعلنت وزارة الخارجية الروسية أن وزير الخارجية سيرغي لافروف سيعقد أول اجتماع له مع نظيره الأميركي جون كيري في برلين في 26 فبراير الحالي «لمناقشة مجموعة كبيرة من المسائل على جدول الأعمال، حول العلاقات الثنائية والمشكلات الدولية»، من دون إعطاء المزيد من التفاصيل.
وقدمت روسيا مشروع بيان إلى مجلس الأمن الدولي لإدانة التفجير.ورفضته أميركا وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الروسية ألكسندر لوكاشيفيتش، في بيان، «نجدد دعوتنا إلى كل الدول والأطراف التي بوسعها التأثير على المتطرفين والراديكاليين لتضغط عليهم وتطالبهم بالوقف الفوري لمثل هذه الهجمات الإرهابية والعنف المسلح، كي تتوفر ظروف ملائمة لإجراء الحوار السوري الواسع على أساس بيان جنيف الصادر عن فريق العمل في 30 حزيران».
وذكرت وزارة الخارجية السورية، في بيان، إن «التفجير الإرهابي نفذته مجموعات إرهابية مسلحة ترتبط بالقاعدة وتتلقى دعما ماليا ولوجستيا وتغطية سياسية وإعلامية من دول في المنطقة وخارجها». وأضافت إن ذلك يتم «خلافا لالتزامات هذه الدول التي يمليها القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة في مجال مكافحة الإرهاب».
أما صندوق البريد الأسود فانفجر بواسطة سيارة محملة بكمية كبيرة من المتفجرات يقودها انتحاري في أحد أكثر تقاطعات الطرق ازدحاما في العاصمة السورية، والذي يشكل مدخلا لقلب المدينة وأسواقها المتفرعة، الحديث منها والعتيق.
وقال محافظ دمشق بشر الصبان إن السيارة كانت تحمل ما بين طن و1,5 طن من المتفجرات، وأحدث انفجارها فجوة عمقها 1,5 متر في الطريق. وقد أدى التفجير إلى مقتل كل من كان على الحاجزين العسكريين للتفتيش في المنطقتين، ولكن من دون أن يتمكن من الوصول إلى فرع حزب «البعث» الذي قطعت الطريق إليه منذ عدة أشهر بحواجز حديدية. وسمعت أصوات إطلاق نار كثيف من عدة جهات، بعد التفجير، كما ترافق المشهد التالي مع صيحات التكبير والتهويل وصراخ الاستغاثة مخلوطا بنحيب الألم والفقدان.
جثث متفحمة داخل وخارج سيارات وحافلات نقل عام منقلبة على ظهرها أو محروقة بالكامل، وأشلاء معلقة على الجدران وعلى أوراق الشجر. دم ممتزج بعشب الحدائق. شبان مبعثرون في زوايا المشهد، بعضهم يتنهد تنهيدات الاحتضار وآخرون يبحثون عن قريب كان بجوارهم منذ لحظات واختفى، ودم ودخان ورائحة شواء بشرية وفحم محترق.
لكن المشهد كان يمكن أن يكون أفظع، إذ وفقا لمصادر الإعلام الرسمي تم اكتشاف سيارة أخرى محملة بخمس خزانات مياه مخصصة للحمامات مليئة بالمواد المتفجرة يصل مجموع وزنها مجتمعة لـ1500 كيلوجرام، قال أمنيون إن هدفها كان الاستفادة من الفوضى للوصول إلى مقر «البعث» وتفجيره. وذكرت وكالة الأنباء السورية (سانا) إنه تم اعتقال الانتحاري.
غياب الهدف «الدسم» على حد تعبير معارضين، شجع الفئة الأخيرة على استسهال اتهام النظام بالوقوف خلف التفجير، رغم أن مبنى الحزب لا يبعد عن مكان الانفجار أكثر من 50 مترا، فيما يلامس جدار السفارة الروسية العالي الشارع المستهدف. وأكدت مصادر روسية لـ«السفير» أن «بناء السفارة تضرر بقوة وتكسرت جميع نوافذه كما تحطمت أبوابه، إلا أن أحدا لم يصب بأذى. كما أن العمل مستمر على وتيرته الاعتيادية». وقال مسئول المكتب الإعلامي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين رشيد قويدر إن الأمين العام للجبهة نايف حواتمة أصيب بجروح طفيفة فيما كان يعمل في مكتبه الواقع على بعد 500 متر من مكان الانفجار.
فرضية «لا هدف دسم» التي بنت عليها بعض شخصيات المعارضة الخارجية «نظرية المؤامرة الخاصة بها» لتدعيم «نظرية اتهام النظام»، يضعفها حصول تفجيرات متزامنة أخرى، أحدها في ركن الدين قرب نقطة عسكرية لم تؤدِ إلى ضحايا، وآخر في مقر للاستخبارات العسكرية في مساكن برزة، استخدم المهاجمون فيه سيارة يقودها انتحاري أيضا، وتلاها إطلاق نار كثيف واشتباك لم يتوقف إلا بعد عدة ساعات، ما تسبب في حبس طلاب مدرسة ابتدائية في جامع مجاور. الجامع، وهو مسجد القزاز، كان سبق له أن شهد عملية تفجير بعبوة استهدفت حاجزا عسكريا مجاورا في آب الماضي وأدت إلى مقتـل وجـرح عدة جنود.
وتزامن مع الهجمة الثلاثية بالسيارات أمس سقوط قذائف هاون على مبنى الأركان العامة في ساحة الأمويين، وهو المبنى الذي لا زالت أعمال الصيانة قائمة فيه منذ استهدافه بتفجيرات الخريف الماضي. كما قتل طيار برتبة عقيد اثر استهدافه من قبل مسلحين في قلب حي الصالحية الدمشقي.
وكانت تقارير ذكرت أن «جبهة النصرة» تبنت في بيان التفجير الانتحاري، قبل أن تعود وتسحبه. يشار إلى أن التفجير الانتحاري في شارع الثورة على أطراف حي المزرعة هو الأكثر دموية في دمشق بالنسبة إلى الخسائر بين المدنيين منذ الانفجارين الانتحاريين اللذين وقعا في 10 مايو الماضي وتسببا بمقتل 55 شخصا، وتبنتهما «جبهة النصرة» الإسلامية المتشددة.
«الائتلاف الوطني» المعارض ساق اتهاما متوقعا للنظام بارتكاب التفجير بغرض «إرهاب الشعب ودفعه لليأس» وفق ما أعلن بيان صادر عنه أمس، مدينا في الوقت ذاته التفجيرات التي حصلت والتي «تبرر سقوط المدنيين والأبرياء بتفسيرات خاطئة ومنطق مرفوض، أو تلك التي تستهدفهم عن سابق إصرار وتخطيط إجرامي خبيث». واعتبر أن النظام هو الذي فتح «الباب على مصراعيه لأصحاب الأجندات المختلفة لدخول سوريا والعبث باستقرارها» ولكن من دون الإشارة الى من هو المعني بذلك.
من جهتها، دانت المؤسسات الرسمية السورية والنقابات التابعة لحزب «البعث» كما مجلس الشعب التفجير بالطريقة المعتادة، فيما كانت اللهجة اشد لدى الشبكات الإخبارية والناشطين الموالين للنظام، والذين دعوا لـ«الانتقام»، علما أن وتيرة المعارك لم تخف في الأيام الأخيرة بل زادت حدة.
وكتبت إحدى الناشطات ساخرة «53 قتيلا. 200 جريح. تعالوا نتحاور مع رئيس الائتلاف أحمد معاذ الخطيب»، فيما سخر آخرون من أن «الشارع موقع عسكري لحزب الله». وسارع ناشطون بعد نداءات في وسائل الإعلام للتبرع بالدم في مستشفيات دمشق المركزية. وأغلقت حتى بعد الظهر مداخل العاصمة الرئيسية، كما ازدادت وتيرة التفتيش ونقاطه، وخفت الحركة في مناطق مزدحمة عادة، فيما بدت بعض الأحياء وسط المدينة، رغم المأساة كأنما «اعتادت هذه الوقفات الدموية للحياة»، لتعاود نشاطها من جديد.
وكرر المبعوث العربي والدولي إلى سوريا الأخضر الإبراهيمي، في مقابلة مع قناة «العربية» بثت أمس، أنه «لا حل عسكريا في سوريا»، مشيرا إلى أن السلطات السورية تعتقد أنه يمكنها تحقيق نصر عسكري، وكانت المعارضة فكرت أيضا بهذا الأمر.
وأضاف الإبراهيمي، الذي مددت الأمم المتحدة مهمته حتى نهاية العام الحالي، «أتمنى أن يبدأ النظام والمعارضة مفاوضات لحل الأزمة وليس حوارا، لوقف شلال الدم وبناء سوريا الجديدة»، مكررا أن الحل هو بإجبار الطرفين على وقف العنف. وأعلن انه يريد نشر قوة دولية في سوريا، لكن موسكو تشكك بنوايا الدول الأخرى في مجلس الأمن وان يستخدم القرار بطريقة تشبه ما حصل في ليبيا.
ونفى أن يكون اجتماعه بالرئيس السوري بشار الأسد قبل حوالي الشهرين لم يكن وديا، مشيرا إلى أن الأسد ابلغه بنيته الترشح للانتخابات الرئاسية في العام 2014.
وكان الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي اعتبر، في مقابلة مع قناة «روسيا اليوم»، أن «الهدف الذي تسعى إليه جامعة الدول العربية هو إقرار السلام العادل الذي يتجاوب مع تطلعات الشعب السوري في التغيير والإصلاح، وإقامة نظام حكم رشيد، وكل ما يكون متفقا مع مصلحة سوريا لا شك أن جامعة الدول العربية معها». وشدد على أن «المهم هو البدء بمرحلة انتقالية، وتشكيل الحكومة، وأنا أتمسك بما قاله الإبراهيمي في مجلس الأمن، أنه في إطار البيان الختامي في جنيف، لا مكان للرئيس بشار الأسد».
السفير اللبنانية - زياد حيدر

0 التعليقات:

إرسال تعليق